يوميّات دفتر قديم
د. جان توما
في تلك الحكاية، تعيد ابنة المهاجر إلى أميركا، دفتر يوميّات والدها، بعد وفاته وبناء على وصيّته، إلى قريته التي ولد فيها، لتسليمها لرفيق طفولته الذي لم يره منذ سبعين سنة.
هو عمر من ورق وحبر، وهدف يستأهل هذه العودة. منذ وصلت الابنة وعائلتها إلى القرية فوجئوا بهجر أهلها لها، وقد تحوّلت إلى بيوت فارغة، وعيون لا تجري المياه فيها لتبلّل بركة الساحة التي كانت تملأها عجقة الأولاد.
يعمل الوافدون على استعادة تراث القرية المنسيّة، يجدّدون سبل ماء بركة الساحة، يدعون الذين غادروا للاحتفال بلمّ الشمل، تقفز صور والدهم طفلًا بالأبيض والأسود، يتعرّفون على دروب والدهم القادوميّة الريفيّة، ويستيقظون على صياح الديك، فيما صار الفجر أليفهم، وغروب الشمس مسرحهم، وأقدم شجرة في القريّة مرتعهم لذكرى راحلهم الذي تتذكره والدتهم كلّما راودها حزن أو فرح في عزّ “الألزهايمر”.
في سهرة لمّ الشمل تستعاد أيامهم ولياليهم، وتضاء قناديل البيوت، وتتغنّج “درف” النوافذ المفتوحة المشرّعة بوجه الريح، تسلّم الابنة دفتر مذكرات أبيها إلى رفيقه التسعينيّ الذي ما إن طال نسيم الصبا ورق الدفتر حتّى تجدّد شبابه كالنسر، وفي ثوان كرّ العمر الذي كان ومرّ، كالضباب الطالع من الوادي المجاور شالًا من ذكريات لكتفين، صعبٌ بأن يُحاك مرتين.