الأسد سنة 1976: تصوُّر حجم مشكلة مجيء مليون شخص من لبنان!
أنطوان سعد
ليس من السهل التعامل مع نتائج اللجوء السوري إلى لبنان، كما في أي مكان من العالم. إذ ليس من الممكن ألّا يشعر اللاجئون الذين تركوا ديارهم وأهلهم بالحزن والقنوط والمهانة والمذلّة وسائر أشكال الإحباط، وألّا يبلغوا حالًا من اليأس والعتب وربما الكره والحقد للّبنانيين الذين يبدون خوفًا ورفضًا متناميًا لوجودهم.
في الواقع هم لا يرون أمامهم سوى اللبنانيين الذين يظهرون أكثر فأكثر انزعاجهم وخوفهم منهم ومن تزايدهم السكاني بشكل مطّرد، ومن منافستهم على فرص العمل المتضائلة باستمرار، ومن استهلاكهم للبنى التحتية والكهرباء والماء وربما الأوكسيجين. وهم لا يرون أن العالم الغربي يتعامل معهم كوباء مخيف محاولًا رشوة لبنان ببعض فتات لإبقائهم على أرضه، وأن العالم العربي يصمّ الآذان عن صراخهم ويفضّل استقدام ملايين العمال الأسيويين والأفارقة وعدم إعطائهم فرصًا للعمل وكسب قوتهم بكرامتهم.
من الصعب عليهم، وهم المهجّرون والخائفون على قوتهم اليومي ومصير أطفالهم، أن يكونوا ممتنّين لشعب فتح لهم أبوابه مستقبلًا ما يناهز ثلث عدد سكانه، رغم كلّ التعقيدات الديموغرافية والسياسية والتاريخية المعاصرة والحروب والقصف السوري العنيف على الأحياء السكنية، وأن يضعوا أنفسهم مكان اللبنانيين لفهم هواجسهم ومخاوفهم المقابلة.
يصعب على اللاجئ أن يضع نفسه مكان المضيف، والمضيف مكان اللاجئ. فحتى الرئيس حافظ الأسد، حامل شعار “شعب واحد في دولتَين” والذي بذل أكثر ما بوسعه لكي تصل الأوضاع في لبنان إلى حيث وصلت، أبدى في خطابه الشهير في 20 تموز 1976، تهيّبًا من استقبال 500 ألف لاجئ لبناني وفلسطيني و500 ألف عامل سوري أتوا من لبنان عقب اندلاع حرب العام 1975 وجولاتها الدامية التي لم يكن غريبًا عنها.
وأجرى مقارنة بين استقبال سوريا من لبنان ما يوازي 1على 9 من عدد سكانها، مع العلم بأن أكثر من ثلثيهم سوريون وفلسطينيون، ومشاكل نزوح عالمية، مستكثرًا هذه النسبة التي لا تصل إلى ثلث نسبة اللاجئين السوريين إلى لبنان اليوم. ومما قاله في ذلك الخطاب الشهير:

[…] ها نحن نرى أمامنا اليوم كمحصّلة لهذا التاريخ المشترك وللجغرافية ولهذه الحوادث نرى الآتي: كان في لبنان قبل الحوادث حوالي نصف مليون سوري، يمارسون مختلف الأعمال التاجر والطبيب والمحامي والعامل وغير ذلك، هؤلاء بنتيجة الأحداث عادوا إلى سورية والآن على الأقل يوجد في سورية حوالي نصف مليون لاجئ لبناني ونصف مليون لاجئ من شعبنا في لبنان جاؤوا إلى سورية.
ودخل إلى سورية حوالي 150 ألف فلسطيني من الأخوة الفلسطينيين المقيمين في لبنان بنتيجة الأحداث دخل إلى سورية حوالي مليون نسمة. مليون إنسان أعتقد أننا نستطيع الآن أن نتصور حجم المشكلة التي يسببها دخول مليون إنسان إلى بلد عدد سكانه أقل من تسعة ملايين.
مفيد أن نتذكر هنا أن الهند لم تستطع أن تتحمل ضغط عشرة ملايين مهاجر عشرة ملايين لاجئ من بنغلادش وكلنا نتذكر في ضوء ما هو معروف أن العشرة ملايين لاجئ كانوا سبب الحرب الهندية-الباكستانية. الهند دولة كبيرة عدد سكانها أكثر من 500 مليون لم تستطع أن تتحمل عبء عشرة ملايين لاجئ. لم تستطع الهند أن تتحمل نسبة 1 إلى 50 أو 1 إلى 60 من عدد سكان الهند. في حالتنا نحن النسبة هي 1 إلى 9 من عدد السكان. (codingninjas.com) كم نتصور حجم المشكلة وحتى إذا كانت 1 إلى 18 أو 1 إلى 20 أو 1 إلى 30 فتبقى المشكلة مشكلة وتبقى مشكلة كبيرة.
طبعا أيها الأخوان لا يمكن أن يرد إلى ذهن أحد أنني أقول هذا الكلام أو يمكن أن يقوله مواطن في سورية تبرّمًا بهؤلاء الأخوة الذين جاؤوا إلى سورية. فالبلد بلدهم والأرض أرضهم. هذا البلد هو لكل عربي، وإنما أقول ما قلت لأشير إلى مشكلة ترتبت على أحداث لبنان ولأشير إلى حجم المشكلة، ولكي أبرز مشكلة حية تشكِّل ردًّا على هؤلاء الذين يقولون من خارج الحدود ولماذا سورية…؟
الأربعاء 10 تشرين الأول 2018
****
(*) موقع Mon Liban