أنور الخطيب… صوت “هادئ” وعبق لا تبدده الأيام
كلود صوما
عندما يتنّفسُ الصباح حاملأ معه نوراً يبعثُ فيكَ الحياة ، وترسل الشمس خيوط الأمل والإشراق لتزيلَ عنك غبار الهموم والأحزان المتراكمة ، فذلك يشعرك برغبة شديدة بالتقدّم والمضّي ..
كذلك هي الحال عندما تستمع إلى صوت “هادئ” يلقي همسات متجلّية حدّ السحر ، وتشاهد معه الفضاء الواسع الذي يحمل ضجيج الكون كله، وتعرف انه الشاعر المتنقل بين سنينه الستين، يراجع محطات الحياة ويمضي دون الالتفات الى الوراء..
هو الهادئ كنسيم الفجر، كبسمة شمس صباحية، هو المزّهر العطر اينما حلّ تاركاً عبقاً لا تبدده الأيام .
هو الباحث عن الطفل في داخله الذي يلاحقه، يطارده حتى آخر العمر ولا يجد سبيلاً للخلاص منه. لذلك قد يجد الوقت فقط للهدوء، ليفهم الحياة أكثر، لينقل لنا أحاسيسه المتجلية وفلسفاته الواضحة في شعره والتي تغلّف أسطر قصائده ..
“كن هادئاً “…
الشاعر الجميل و المتميّز أنور الخطيب ..
*****
كن هادئاً
أنور الخطيب
كن هادئًا
كنسمةٍ مؤمنةٍ تدلل قبر الوليّ
كن الشّقي
كأنك قد شببت يتيمًا
ومرت الستون مثل طيش البنفسج
مثل حسّونة غنت قليلا، وبكت كثيرًا
وعانقت غيمةً مرت هي الأخرى كضحكة طفل مزاجيّ
وألقت حَملها على مِلحها وقالت: كن النبي..
كن هادئًا
حين تحدّق في المنجز العبثيّ
أنت الآن في شرفةٍ بُترت عن بيتها الورديّ
وتنأى،
كموج عتيّ،
لا تلتفت لكلام ماء الظهر
ولا لهمس الرمل ولا لحديث الغبار
ولا، لمن يحذرك من حمّى الدَوار
لا تلتفت للبيت
قد يناديك مَنْ في البيت: يا كبدي الوفيّ،
يا حبيبي المجنونَ العصيّ
أو أيها المفتونُ بالموت السخيّ
لا تلتفت وارحل
وكن هادئًا وقت السقوط؛
ففي التدحرج رفعٌ للهبوط
كرفع كأسٍ.. في صحة العدم الجليّ
كن هادئًا كحبر التّقي..
وهو يعرّي أنثى المجاز
لا وقت لاحتساء شامبانيا الرواية
أيها المرويّ
لم تُجِب رغوة الرواية عن رغبتها
في غسل الخطايا
وامتشاق المثلِ العليا في الزمن البغيّ
لا وقت لسيجارةٍ عاشرةٍ
لقافٍية عصت بحرَها السرمديَّ
كل البحور تكسّرت في قلب فاعلٍ وفاعلاتٍ
لم يجب الشعرُ عن سر رِدةٍ عن المقام العليّ
كن هادئًا
لا وقت لطرْفة لا ولا للصعاليك
أو للرد على موؤودةٍ تلعن الوالديْن
ولا وقت لقصة حب بلا جناحين
ماتت العصافير من متلازِمة التحليق
كن هادئًا أيها الرفيق،
قد تجدَ الوقتَ فقط للهدوء؛
الهدوء الذي تَحقَّقَ في صوفية المبغى
حين أسلمتَ روحك لامرأةٍ
تلثّمت بحمّالة صدرها
وخُضتَ غِمارَ السكينة وهي تمسد كاهليك بوردها
تذْكُرُ الآن ذُعرَها؛ أيقظتك وقالت: ظننتك عُدتَ إليك
فقلت: كنت أهذي بشِعرٍ ماكرٍ كيديك
أجابت بخشوع:
وهل كتابةُ الشعرِ تُورِثُكَ الدموع
كن هادئًا
حتى وأنت تموت
اقفل سقف قلبك
واخرج خفيفًا نظيفًا فقيرًا كظلّك
واستِعد ألفةً توحشت في القلوب
لا تنهمك بالخيانات
كلٌ خائنٌ ظلَّه في فيافي الأنا
كن هادئا يا أنا
وأنت تعودُ للبداياتِ خاليَ البلاد
فالأحمرُ مشنوق
والأخضر محروق
والأسود فرحة الجنازات
والأبيض مثل شهوة العاهرات
لا تكفّنْ به أحدا
دع كل ميت يمضي عاريًا إلى رؤاه
لا تعطل مبتغاه
كن هادئًا
هذه السبعون ليست أنت
أنت أمرٌ آخرٌ في نزوح الموج
كن هادئًا يا سيدي
وانفخ على نار انبعاثك
لست أسطورة طائر
لست نزوة ثائر
إنما كن هادئًا
كي لا تضيّعك رؤاك
واحمل ما تبقى من بنادق قاتليك
وقاتل ما استطعت من الخوارج
فالخارج أنت
فإن انتصرت .. كن هادئا
وازحف إلى خيمة في الطريق
وابتدئ الحريق
كن هادئًا