بين زمنين!

Views: 438

إيمان ريدان

  تشرق الأنوار. تهدأ قليلًا. تشحب، وتظهر صور، لكنّها بالأبيض.كيف تَظهر المعالم إنْ كانت بالأبيض؟.. تأخذني المواويل على أجنحة شوق وحنين إلى هناك… هناك؟ أم هنا؟

يمرّ العمر خيالاتٍ وصورًا، بطيئة أحيانًا إلى حدّ التّلاشي، ثمّ لا تلبث أن تتداخل، فينقطع نفَسي، وألهث وراءها عبثًا..ها هو نَفَسي ينقطع من جديد..ومن جديد يضعون هذه الكمّامة على وجهي..ألا يعرفون أنّه لا ينقصني الأوكسجين، إنّني -فقط- ألهث ركضًا وراء الماضي، فلماذا يريدون إبقائي في الحاضر!؟

  يضعون الطّعام في فمي. اعتدت أن أبتلع كلّ ما يقرّرون…لو أنّهم يُدخلون الألوان قليلًا إلى هذا المحيط الباهت…السّتائر المحيطة بي بيضاء، الممرّضة شاحبة هي الأخرى، أو أنّه انعكاس الرّداء، والقبّعة والكمّامة؟.

غريبٌ أمر هذه الكمّامة اليوم، تلتصق بالوجه أبدًا وكأنّها قطعة منه، أيختبئون منّي وأنا لا أعلم، أمرضي معدٍ؟

…”ست أميرة..ستّ أميرة” .. يتكرّر الصّوت، لعلّهم ينادونني…يسترجعونني عمدًا إلى هذا السّرير..وقد كنت أطارد فراشات نيسان الزّاهية، تتأرجح بين الزّهور. أركض.. وأركض، لا أطال الفراشات، ولا أقطف الزّهور، بل جريٌ، وجريٌ، واختباء، وتعثّر، ونهوض، ونهار، وليل، ووجه أمّي، وأصوات أخوتي.. “ستّ أميرة..ستّ أميرة…وين رحتي؟”… عدتُ “ستّ ” من جديد…وأنا أميرة.

   غريب هذا الوجه قبالتي، هو أيضًا مختبىء خلف الكمّامة، لا أعرف لماذا يتعلّق نظري به؟. ربّما لأنّ العينين مكشوفتان، وفيهما دموع لا تتوقّف، غريب. ولماذا يزورني هذا الوجه الذي لا أعرفه، حتّى بعد أن زال ما يحجبه؟. وقفّازات أيضًا؟ لست أفهم، أحاول..يبدو كأنّها تكلّمني..تناديني “عمّتي، حبيبتي….” .

  قلبي ينبض بسرعة، أحاول أن أفهم..الملعقة في فمي من جديد، أمضغ بصعوبة، وأبلع.. اليد البيضاء تقرّر وضع قناع الأوكسجين على وجهي، لإبقائي هنا… ولكنّ كلّ شيء يناديني هناك، يطفو على نسيم خفيف، يتحرّك برقّة كما أحبّ، لا أصوات ولا ضجّة.. غلالات من حرير، ورجع صدى من الوديان، ثمّ سكون…

ها أنا أصُفّ الدّمى الغالية الثّمن، بعد أن  ألبستها ما خِطتُه بيدي من ثياب مزيّنة بالخرز الملوّن، تختاره ابنة أخي الصّغيرة، تماشيًا مع ثوب الإسفنج، وسيكون سعرها أغلى للفتيات المدلّلات الّلواتي لا يسألن.

عينا ابنة أخي المتعلّقتان بالدّمى، بطلاتِ حكاياتها التي لا تنتهي.أين ذهبت تلك العينان؟ يتهيّأ لي أنّني رأيتهما هنا إلى جانب سريري، للحظات مضت…أم أنّني أتخيّل..!!

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *