ساحة العمر
د. جان توما
في هذه الساحة التي كانت ساحة الترب أو المدافن قبل١٨٧٥م. كانت ملاعب الطفولة والصبا. هنا كانت أحلامنا مع حبّات بزر “توفيق” المالحة و”حاملة” زهير الخضراء والمشويّة، ونرد “حمدو” وبيّاع البليلة وسمسميّة ” أبو فهد”، و”يحيى” و”لولو “ومطعم “شمشوم” ودكانة الأسطورة “لطف الله”.
هذه وجوه رسمت تاريخ مدينة بحريّة، كما اندست في حقائب المهاجرين وشمًا في البال والخاطر.
كيف تستعيد الذاكرة عشرات السنين لتقلب ألبوم صورها؟ فيطلّ عليك أولئك الذين كتبوا رسائل الرحيل، قبل أن تغيب وجوههم، وتروح عرباتهم الخشبيّة، ومحلاتهم وتقوم مكانها أحلام جديدة لتدخل تلك قوارير العتاقة والحنين إلى أيام جميلة كتفجّر ماء نبع نضب في غفلة عين ..ولن يعود.
هذه كنيسة مار جرجس بنيت عام ١٧٣٢م. بعرق جبين فقراء الميناء وصياديها. في جرن هذه الكنيسة نزل آلاف الأطفال، وفيها تزوجوا، ومنها نزحوا عن الدنيا.
لو تحدّثت جدرانها لحكت قصص وجوه البسطاء المؤمنين الذين يقبّلون إيقوناتها كلّ صبيحة قبل التوجّه إلى العمل، ويسندون جباهم إلى أبوابها الخشبيّة تبرّكًا ، ويتأملون في تجويفها الصخري كمغارة قامت عليها الكنيسة لتصير ملجأ الناذرين لله ، من كلّ الطوائف، تقوى لبركات وأدعية.
هذه كنيسة مطلّة على البحر. تلتصق بها البيوت العتيقة. تحمل في صلواتها أبناء الميناء البحري، ليكونوا كما الزبد بخورًا في العطر المنسي في قمقم القلب وهدأة الروح. (bollywoodhungama.com)
(*) اللوحة بريشة الصديق زياد غالب