“تاج محل”: القصيدة الرخاميّة
د. جان توما
تتعبك في “تاج محل” في ” أغرا” الهند، أمواج الناس الزاحفة المتلاحقة المتتابعة، فتحسب أنّ الغرق يتابعك في تفاصيل حكاية هذه المقبرة الرخاميّة الفنّية.
“تاج محل” قصيدة عاشق كتب أبياتها بالرخام الأبيض النقي( marble )من راجستان، وبالحجر الرملي الاحمر من دلهي، واليشب من البنجاب، والعقيق الاحمر من بغداد، والفيروز من التيبت، واليشم والكريستال من تركستان، وغيرها من اللؤلؤ والإلماس والزمرد والزفير وأكثر من أربعين نوعًا من الأحجار الكريمة.
” تاج محل” عجيبة من عجائب الدنيا السبع، عُلِّقَ على أستار قصيدة موشّاة بألف لون ولون، كلّما قبّلت أشعة الشمس رخامه وساحاته ومساحاته، وكلّما لوّحت ملايين الوجوه الزائرة التي تتلألأ كحبّات عناقيد العنب، المندهشة من فنون العمران في هذا القصر/ المقبرة الذي بدأ بناؤه سنة 1632م و انتهى سنة 1653م ، حيث نقلوا عام 1637م رفات الامبراطورة “ممتاز محل “من جنوب الهند و وضعت فى مركز المبنى على حسب التصميم الهندسي،. بعدما قرّر “شاه جهان” أن يبني أفخم ضريح في العالم؛ لِيضمّ رُفات جوهرته” مُمتاز”، زوجته الثالثة، ويُخلّد ذِكراها، ويكون نُصُبًا تذكاريًّا للحُبّ والجمال لا مثيل له في العالم.
هذه القصيدة الرخاميّة لملم الامبراطور أبياتها كالعاشقين من: نبض قلبه، وانحباس نفَسِهِ. واضطراب شرايينه، وزغللة عينيه، وارتعاش أطرافه، أي من دواخله، فيما قال بعضهم إنّ الخليل الفراهيدي جمع أوزان العروض من إيقاع حوافر الخيل وتساقط حبّات المطر وصفير الريح وخرير السواقي وغيرها من موسيقى الطبيعة.
وأنت في عظمة” تاج محل” سترى عظمة الحبّ إن ساد، وكيف يبقى حيّا في الأكباد، حجارة؟ قصائد، أو آثارا وأمجاد.
ملايين أتت لتقرأ قصيدة ” تاج محل”، من مختلف الألوان والأديان، يقفون بدهشة أمام الحبّ، فيما يرون أن البناء الكبير والحدائق الأوسع لا تسع كلمة حبّ قالها امبراطور لإمرأة، فكيف بالعاشقين المشتتين الولهانين؟!