سجلوا عندكم

الشّفاء العاطفي والاجتماعي في الموسم الخامس من سلسلة “زيارة” الوثائقيّة

Views: 1447

خلود الدّمشقي كلشكو

(دكتوراه في الأدب الإنكليزي، أستاذة، إعلاميّة، وناشطة ثقافيّة)

يروي ستيفن كوفي قصته مع رجل ركب معه المترو يومًا مصحوبًا بأطفاله الذين يقفزون من كرسيّ إلى آخر، وكاد صراخهم يصمّ آذان الركّاب من دون أن يتكلّف الأب عناء النظر إليهم. لم يحتمل كوفي لا مبالاة الأب وفوضى الأطفال العارمة، فهجمَ على الرجل يطالبه بقساوة أن يضبط أطفاله. انتبه الرجل فجأة وقال لكوفي: اعذرني، لقد توفيت أمّهم في المستشفى قبل قليل ولم انتبه إليهم من هول الصدمة، انا آسف. عندها احتار كوفي خجلاً من قساوته وتمنّى لو أنّه تريّث قليلاً قبل أن يحكم على رجل بأنه مهمل. 

إنّ ما قام به كوفي هو تصرّف مألوف يمتهنه الكثيرون، فلا يكاد أحدنا يرى شخصًا غريبًا حتى ينطلق بإلقاء أحكامه الظّالمة دون تمييز أو رحمة. أما ميريال أبو الروس ودنيز جبّور فرفضتا الانضمام إلى هذه المنظومة القاسية وركوب موجة الأحكام المسبقة. وأدركتا أن كُلًّا منّا يحمل في داخله قاضيا قد يكون ظالمًا، في كثير من الأحيان، متسرّعًا في إطلاق أحكامه. قاضٍ لم تنصّبه محكمة، إنّما هو نتاجُ صراعِ الإنسان مع ذاته، وعراكه المستمر مع تجاربه ومعاناته، ورفضه للتصالح مع نفسه. 

 

ألقَتِ المخرجتان الشابتان ضوءًا جديدًا، بريقه عاطفة حقيقية صادقة تطمحُ إلى مساعدة الفرد على التصالح مع الذات والوصول إلى الشفاء العاطفي والاجتماعي. من هنا، جاءت هذه السلسلة الوثائقية لتحفيز المرء على تقبُّلِ ذاته بكل عيوبها وزلّاتها، وقبول الماضي بكل جروحاته وآلامه. والأهمّ الابتعاد عن معاتبة النفس وجلدها. 

هنيئًا لميريال أبو الروس ودنيز جبور على إطلاق الموسم الخامس من سلسلة “زيارة” الوثائقية، وعلى نشر مفهوم جديد للتعبير عن الذات، من دون الاستسهال الفنّي والاستعطاف الجماهيري، إنّما تقديم لغة سينمائيّة ناضجة، تسرد حياة أشخاص تخطوا معاناتهم وواجهوها فتحوّلت معهما إلى إبداع يفسح المجال للتصالح مع الكون والوجود كي يتّسع القلب لكل الانفعالات والحالات الإنسانية و الوجدانية ويدخل المرء فلك السعادة، ويلبس ثوب الأمل بمستقبل جديد، فلا يتعثر بماضٍ أليم او ألم عقيم. 

تحية لكما ميريال ودنيز لأنكما ناهضتما التعميم ورفضتما إطلاق الأحكام الشمولية فكنتما نهرًا يصبّ مياهًا عذبة في بحر مالح عالمتين أنكما لن تُحِيلاه حلوًا، بل أنكما ترويان الأراضي التي يمر عليها.

***

* “هوم أوف سيني جام” (Home of Cine-Jam) هي جمعيّة للفنون الإنسانية يكمن هدفها الأساسي في إلهام وتحفيز الشفاء الاجتماعي والعاطفي من خلال أفلام  قصيرة وأقاصيص حقيقية. تشكّل “زيارة” الابداع الأول لجمعية Home of Cine-Jam وهي سلسلة وثائقية حازت عدّة جوائز إذ إنها تصف وصفا شعريّا حياة بعض الأشخاص. فمن خلال حلقات من خمس دقائق، تعمل “زيارة” على إيصال بعض الجوانب من وجدانيّاتهم و بعضا من قصصهم وخصوصا انفعالاتهم.

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *