يعقوب وريمون لبّان
د. جان توما
كان يعقوب لبّان ( ١٨٨٧-١٩٦٨)، عند باب عيادته، يلقي جسده المتعب على ذلك الكرسي القماشي المريح وبيده ” مكشّة” يطرد الحشرات كي ينعم باستراحة، إذ كان أهل الميناء يأتونه صباح مساء طلبا لشفاء من مرض أو استشارة.
هذه عيادة (مبنية عام ١٨٧٨) وما زال أهل الميناء حتى اليوم على الرّغم من تحوّلها إلى ” بيت النسيم” للاستضافة، يحافظون على التسمية تكريمًا للحكيم يعقوب لبان وابنه ريمون لبان (١٩٢٠-٢٠٠٨).
هما من تاريخ الميناء الذي لا يمكن لأحد أن يلغيه. حكيمان كانت تعرفهما حارات الميناء كلّها حيث ينطلقان مشيا عندما يقصدهما أحد بسبب مريض في البيت، إذ كثيرًا ما ترى أبا أو أخا يحمل حقيبة الحكيم، ويسير معه إلى أي حارة في المدينة وصولا إلى الحارة الجديدة ليكشف على متوجّع، يعاينه، يعطيه دواء من الحقيبة، وقليلا ما كانا ينالان أجرا أو إكراميّة.
راح يعقوب إلى الخدمة في الجيش التركي في الحرب العالمية الاولى وإلى أراض غريبة طبيبا مداويا، وعاد إلى مينائه عارفا أن وجه جاره ومواطنه هو الأرض ومجال الخدمة فلم يقصّر، فلا عجب إن خصص له أهل الميناء ساحة رفعوا له فيها تمثالا نصفيّا ، بعد وفاته، ليقولوا إن الميناء وفيّ لمن يعطيه من قلبه وروحه.
تابع الحكيم ريمون رسالة أبيه. قد يكون حمل الحقيبة نفسها التي حملها والده، فحقيبة الطبيب مذكراته ودفتر يومياته. تحكي قصص “الآه” التي ما كان يخفت أنينها إلّا عند وصول الحكيم مطمئنا .
كان الحكيمان مرجع أهل الميناء، على اختلاف أعمارهم، وكان للحكيمين قدرة تشخيص طبيّة ثاقبة، وكثيرا كان يكشفان على المريض من طريقة مشيته فيما هما واقفان على باب العيادة يراقبانه من بعيد. ألعلّ إيقاع الخطوة من أبجدية التعبير عن الوجع والتعب ؟ ألعل العارض “تأتأة” للإشارة إلى الوهن ومكان الوجع؟
رحل الطبيبان، وهاجر من هاجر من الأحفاد، وانطوت حكاية طيّبة من حكايات هذا الثغر البحري ولم تبقَ إلّا الذكرى والرحمة وروابط التعاون والتكافل في تلك الأزقة العتيقة.
(*) الصور للصديق هتاف خوري