جمّة الدرع من يوميات حلّوفة في قاع البئر أو (الحياة في خلية)
الدكتور محمّد عبد العظيم*
رواية الزميل الصديق محمد خريّف. اختزل فيها الحياة الذاتية منها والاجتماعية فبدت ” جمة درع بين يدي خنزير في قاع البئر. نص غريب فعلا. أشهر فيه منشئه بدل القلم مشرطا شق به خلية وحشر فيها الحياة بأحداثنا وأحزانها وأشجانها بأفراحها وأتراحها. رسمها بنص أبدع في اختزال جمله وضمّ معانيه. فارقت فيه ألفاظ المعجم معانيها الأول وعانقت أبعاد المجاز دون حدود، فكانت للفكر مجالا لا يحدّ وللتأويل معينا لا ينضب.
عانقت فيه العبارة الفصحى أختها الدارجة بترحاب وسعة موضع. فتكاملا حتى لا تنافر…انحسرت فيه الأشياء والخلائق فبدت للرؤية مجهرية ولكنها للرؤيا أبعاد وشواهق بلا حدود…فهي في عنوان النص جمّة درع في يد حلّوفة في قاع بئر. ولكنها فيما وراء النص عالم مزدحم ومتلاطم. أحداثة لا تني وأشياؤه لا تحصى ولا تحدّ؛ فيها من الأدب والتاريخ شواهد ومن الحاضر أحداث ووقائع…فهنا يلتقي أعلام الأدب قديمهم وحديثهم وصنّاع الحضارة طارفهم وتليدهم… والأهل المقربون والصحب الأثيرون والعلاقة بين أولئك وهؤلاء تراوح بين الحب والرضا وما ناقضهما…
وليس لمن يروم بلوغ المدى من هذا النص اللغز إلا أن يتسلّح بمبضع ومشرط ومجهر وبعلم باللغة وقدرة على الفهم لا تحدّ، إذا رغب أن يعود منه بغنم. وعليه أن ينطلق من إسقاط مغالطة العتبة الأولى، فالعنوان هنا ليس منيرا بل هو للتيه منطلق، إن أخذ على ظاهر معناه. فلا الدّرع ذاك الحَبّ الدقيق ولا جمّته جمّة ولا حلّوفة خنزير ولا البئر جبّ يوسف…أو عليه أن يعي قيمة آخر جمله التي أرى أنّ المنشئ أرادها للكلام إيجازا أو للقارئ نبراسا قد تدفعه إلى إعادة القراءة إن كان أساءها أو إلى الرضا بالحاصل، إذا التقى القصدان. وذلك أن قال:” ولم أكن أنتظر من بياني يقينا ولا يقين في بئر الحلّوفة سوى يقين سوء الظن بدلالة الألوان وعدم الإيمان بصواب اللسان”…
***
(*) أستاذ تعليم عال بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، 9 أفريل ـ تونس
(*)محمّد خريّف،جمّة الدّرع-من يوميّات حلّوفة في قاع البئر**-داربرسبكتيف للنشر والتوزيع-الطبعة الأولى تونس- الثلاثية الرابعة 2019
(**) نشر مقطع من جمة الدرع في القدس العربي في 26 يونيو2011