لاءاتُ الحياةِ مأوايَ
د. غادة السمروط
عندما أدخلُ في الغياب، لن يشعرَ الكونُ بأيّ نقصٍ، لن يُغمضَ عينيْه، ولن يتأوّهَ. لن تتحسّرَ عليّ الحياةُ، ولن تهتزَّ ورقةٌ على غصنٍ. لن يسكنَ هواءٌ في فضاء، ولن ترتجفَ صفحةُ ماء.
المنزلُ الّذي بنيتُه كلمةً كلمةً، وحلمًا حلمًا، لن يذرفَ دمعةً، ولن يحزنَ فيه ركنٌ. والسّلّمُ الّذي أطأُه همسًا، لن يصرخَ درجُه ولن يضجّ لغيابي. الكرسيّ الّذي أجلس عليه، والّذي أودعتُه دفئي وهمومي وآمالي، لن يذكرَني، ولن يأبهَ لحملٍ ابتعدَ عنه، فاستراحَ منه. والوردةُ اّلتي روّيتُها بماءِ قلبي لن تذبلَ. ولن تباليَ التّلالُ ولا الوديانُ الّتي حملتُها ببالي طيلةَ حياتي.
كلُّ الأشياء الّتي أحبَبْتُها، وعانقْتُ صورتَها في أحلامي وكلماتي، كلُّ مانسجَتْه يداي من تُحفٍ جميلةٍ، أودعتُها أسراري وحكاياتي وحبّي، وكلُّ الكلماتِ الّتي رصَفْتُ بها الصّفحاتِ، لن تشعرَ باليُتم.
كلُّ ما يحدثُ هو دمعةٌ يذرفُها الأحبّةُ، وأعتذرُ منهم، لا أريدُ أن يحزنَ أحدٌ لرحيلي.
ستُكملُ دورتَها الأرضُ، وستُشرقُ الشّمسُ، وسيطلعُ القمر.
أسكنُ دارًا أنتمي إليها، ولا تنتمي إليَّ. أحبُّها، ولا تبالي. أودعتُها شعرًا، ولا شعورَ فيها.
وحيدةً أتيتُ، دون أن أطلبَ المجيء. وحيدةً أغادرُ، دون أن أرجوَ المغادرة. سيُدركُ الكلّ رحيلي، إلّا أنا، لن أُدركَ أنّني أرحل، ولن أُدركَ الوداع، أمرٌ عَجَبٌ!
سأغادرُ الحلمَ الّذي طالما حسبتُه حقيقةً، وأدخلُ في الحقيقة دون أن أعِيَها. سأكونُ جمادًا. سأصيرُ حبّةَ ترابٍ في صحراءَ، يتطايرُها الهواء. سأدخلُ في اللاشعور، في اللانور، في اللاحركة، سأدخلُ في اللاحياة. (https://avaana.com.au) ولن أعيَ ذلك.
ستكونُ الصّحراءُ غدي، ستكونُ لاءاتُ الحياةِ مأوايَ !!