آخر خرطوشة
خليل الخوري
نُقل، أمس، عن سفيرٍ غربي أن المبادرة الفرنسية هي «الخرطوشة الأخيرة» في جعبة الوساطة الخارجية لإنتاج حكومة في لبنان. حتى إذا نفض الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يده من الحراك الذي يقوده، بات علينا أن نتوقّع الفراغ في السلطة التنفيذية حتى نهاية العهد.
يقول السفير إن ماكرون ليس مستعجلاً على التخلي عن المبادرة، ولكنه بالتأكيد يستعجل الحلّ إن لم يكن إكراماً للبنان، فمن أجل مصلحته المباشرة، وهو الذي أبدى حماسةً كبيرة لهذه المبادرة. ولعلّه راهن عليها كثيراً جرّاء ظروفه الداخلية وحاجته إلى رافعةٍ ما استعداداً إلى خوض ولاية رئاسية ثانية.
إلى ذلك ينطلق ماكرون من كون فرنسا مقبولةً من الأطراف اللبنانية كلها تقريباً، فهي ليست على خصومة مع أي طرف، وفي المقابل لا تميل قيادتها إلى فريقٍ دون أو على حساب فريقٍ آخر. ثم إن الجالية اللبنانية ذات حضور في فرنسا. صحيح أن بين مكوّناتها خلافاتٌ موروثة وموصولة بالانقسامات اللبنانية الداخلية، ولكنها تُجمع على رغبة في أن يتجاوز لبنان أزماته. وما بدر من أعضائها كان دافعاً ومشجّعاً للرئيس ماكرون كي يمضي في مساعيه بدليل الاتصالات الهائلة التي انهالت على قصر الإليزيه من اللبنانيين، وأيضاً من الفرنسيين ذوي الأصول اللبنانية.
ويُسجّل اللبنانيون حضوراً لافتاً في فرنسا، إِن من حيث أعداد حاملي الجنسية بينهم أو من حيث الأدوار التي يؤدّونها في المجتمع الفرنسي، والكثير منهم على مستوى النخبة. وكذلك من حيث تأثيرهم على شبكات الأقرباء والأنسباء والأصدقاء الفرنسيين.
نعود إلى المنطلق، أي إلى كلام السفير الغربي، الذي أعرب عن خشيته من أن يبقى لبنان من دون سلطة تنفيذية حتى نهاية العهد فيما لو أعلن الإليزيه إنهاء مبادرته. فهذا الفراغ هو قاتلٌ في حد ذاته. فكم بالحري في أوضاعنا المنهارة مالياً واقتصادياً، والهشّة أمنياً إلى حد يُنذر بأسوأ الأسوأ؟!.
المؤلم في ذلك كلّه أن الداخل اللبناني محكومٌ بالعقم. ولم يعد أمام الأطراف سوى تبادل الاتهامات والشتائم. وأما المواطن، إلى أي طرف انتمى، فلم يعد معنياً بمن على حق ومن على باطل. فقط ينصرف جلّ همّه إلى حل، كائناً من يكون بطله، ينتشل هذا الوطن من الهاوية التي أسقطه فيها العجز والأنانيات والمطامع والأحقاد والضغائن، بينما الأعاصير تتهدد البلد على مختلف الصعدان، والعالم ينظر إلينا بازدراء، وقد تحوّلنا، فعلاً، إلى مجموعاتٍ فاشلة وقياداتٍ أكثر فشلاً نقلت عدوى الفشل إلى وطنها.