سجلوا عندكم

بالمقلوب

Views: 62

خليل الخوري

يذكر أبناء جيلنا عندما كانت تزرع العراقيل أمام تشكيل الحكومة، كنا نقول:

من دون حكومة أفضل حالاً منه معها. طبعاً هذا الكلام على سبيل المبالغة اذ لا بديل عن السلطة التنفيذية.

مع فارق أنه كان في لبنان إدارة تمارس نشاطها ودورها ولو بالحد الأدنى، فتستمر الحياة في دورتها الطبيعية.

أما اليوم فإن غياب حكومة  سوية هو بمثابة الكارثة فوق كوارث. فالعجلة المتوقفة عن الدوران مصابة بالشلل والكربجة، فلا إيجابيات، أما السلبيات فتكرج كرجاً الى حد الموات الذي يضرب مقومات هذا الوطن.

الى ذلك، في الزمن الجميل، في الستينات والسبعينات كان لبنان البلد الرابع عالمياً في الازدهار، بعد ألمانيا الغربية واليابان والولايات المتحدة الأميركية. أما في هذا الزمن الرديء فنحن في الطليعة ولكن بالمقلوب. فقد صرنا طليعة البلدان الفقيرة، والفاشلة، وفي مقدمة البلدان الغارقة في الفساد، ومن أكثرها عجزاً ومديونية.

في ذلك الزمن لم تكن المياه تفارق الحنفيات، ولا التيار الكهربائي ينقطع. والعكس صحيح، فقد كنا نزود سوريا به خصوصاً طوال مرحلة معرض دمشق الدولي… وما كانت النفايات لتتراكم تلالاً في الشوارع والأزقة فتغرق البلاد والعباد في كريه الروائح وكثير الجراثيم والأوبئة، علماً أننا كنا نكنس النفايات بمكنسة القندول والبلان. ودفعاً لسوء المتابعة نوضح أن العراقيل أمام التشكيل كانت في ذلك الزمن تزال خلال أيام معدودة. (https://nwgapublichealth.org/) أما اليوم فنتحدث عن أشهر طويلة.

ولما كان الشيء بالشيء  فقد عادت بي الذاكرة الى أواخر ستينات القرن العشرين، يوم كلف الرئيس شارل حلو الرئيس عبدالله اليافي، رحمهما الله، تشكيل الحكومة إثر استشارات نيابية غير ملزمة. وكان حلو يقيم في القصر الرئاسي الموقت في سن الفيل  فالتقى الرئيسان في آخر النهار للتشاور في التأليف. استغرق اللقاء وقتاً طويلاً الى الساعة الثالثة فجراً، وكانت الصفحات الأولى في الصحف تنتظر قبل الدفع بها الى المطبعة فأطل اليافي علينا، وكنا نقيم تحت إحدى صنوبرات الحديقة، قائلاً: يعطيكم العافية، طولنا عليكن ما تواخذونا، الصباح رباح، اليوم ظهراً سنتابع البحث أنا وفخامتو. لم تكن ثمة هواتف نقالة… فاضطر الزملاء للتوجه الى مكاتب صحفهم… أما كاتب هذا الكلام فلفته أن اليافي لم يغادر بل دلف مجدداً الى الداخل، فقرر بدوره أن يلازم الصنوبرة… ولم تمر سوى دقائق معدودة حتى بدأ الوزراء الجدد بالوصول وكان «سميي» المرحوم الشيخ خليل بشارة الخوري أول الواصلين… وتفردت جريدة «التلغراف» بالتشكيلة الجديدة.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *