“سليمان يوسف ابراهيم يكتب عن جميل الدويهي و”أفكار اغترابية”… وتقصر المسافة”
ضمن منشورات مشروع “أفكار إغترابيّة” أصدر د.جميل ميلاد الدُّويهي الكتاب الأول للأَديب سليمان يوسف إبراهيم؛ من خارج دوحة الأقلام العربيّة في أستراليا في عنوان “سليمان يوسف ابراهيم يكتب عن جميل الدويهي و”أفكار اغترابية”… وتقصر المسافات”، يتضمّن مقالات ونصوصاً كتبها الأديب ابراهيم عن أدب الدويهي ومشروعه.
في ما يلي كلمة تقديريّة في المناسبة للأديب سليمان يوسف ابراهيم ومقدّمة الدّكتور عماد يونس فغالي وكلمة النّاشر الدكتور جميل ميلاد الدُّويهي .
سليمان يوسف ابراهيم:…ودنتِ المسافاتَ …
زرعني والدايَ غرسةً في تربة بلدتي عنّايا، وارتحلا عنّي بعيدًا…. ورخت أصارعُ البقاءَ بحبِّه، مًتسلّحًا له بثلاث: إيماني وعلمي وما ربّياني عليه من خُلقٍ أثمرَ فيّ، فطرح من حولي أحبّة خُلّصًا، إخوةً لي بالإنسانيّة لم يُذكروا في مسرد إخراج قيدي العائلي….
إلى أن جلَت لي الأيام عن أخٍ صديقٍ: حبيبُ كلمةٍ ونصيرٌ لأهلها هو، الدّكتور جميل ميلاد الدّويهي الذي عرّفته في لبنان، وحمله سوء حاله، على هجرته إلى استراليا مًرغمًا على الإبتعاد عن أرض الحنين…
بنى لنفسه في تلك الدِّيار قصرَ ثقافةٍ لطالما استهوت روحَه، أسماه “أفكار إغترابيّة” كموقعٍ إلكترونيّ جريًا ومواكبةً لعصرنة سُبّل التَّواصل وطرائق نشر الفكر الذي نعيشه في زماننا….
كان لكلماتي وجمهرة المقالات التي أُرسلها له وقعًا في نفسه ومكانةً لديه على الموقع الذي بات أشهر من نارٍ على علم، وذات بُعدٍ وأثرٍ ثقافيين مُلفتين بعد أن ضمَّ أقلامًا عربيّةً مُجلّيةً من كافّة أقطار العالم، غدا معها منتدىً مرموق الحضور، ذائع الصِّيت في الأوساط الثقافيّة العالميّة: يقدم لأَهله مِساحةً من إبداعٍ، يبذرونها بما لذّ وطاب من نتاجات فكرهم….وغدا للدكتور جميل ميلاد الدُّويهي، جائزةً أدبيّةً تنبثق عن مشروعه للأدب الرَّاقي، يقدِّمها لنخبةٍ من أصحاب القلم والحضور الفكري كلَّ عامين.
كُان لي شرف منحي جائزته الأدبية معتزًا بنوالها، في العام ٢٠١٧، السّنة الثانية من البدء بمنحها، وكنت اولَ المُكرّمين بها في الوطن العربي، من خارج الدّيار الأستراليّة.
توالتِ الأيّامُ، وتعاقبتِ السّنون، إلى أن حطَّت بنا الرّحال على عتبة هذا العام٢٠٢١، وبعدَ أن اكتشف هذا الكرّام الأصيل خابيتي عامرةً لديه في قباب “أفكار اغترابية” بخمرةٍ عتَّقتها قبابُها العامرة حتّى طابت، وكان يضمها بخابيةٍ لي، على غير علمٍ منِّي، ليّفاجئني بزفِّه خبر إزماعه جمعَ كلماتي عن بيدر “أفكار إغترابية” ونشرها على حسابه الخاص، وبمجهودٍ منه ذاتيّ، ليغدو لي كتابٌ على رفوف مكتبة المؤسّسة، العامرة بالنِّتاجات كُتبًا من مشروعه في الأدب الرَّاقي!!!
شكرًا لكَ أيُّها الدُّويهيّ الصّديق، فكرمُكَ لربّما، ومن غير مُغالاةٍ، بل حقيقةً تُعلن والسِّراج لا يًوقَد تحتَ مِكيالٍ: فإن وهبني أبواي فرصةَ الحياة في موقعٍ من الأرض يومًا؛ فأنتَ وهبتني فرصةَ أن أعيش على ألسنة النَّاس في ديار اغترابكم، متمنيّا أن تستقر في قلوبهم كلماتي، وأنا أقف على أعتاب العالمية التي أنتَ وراءها، بعد صدور كتابي هذا، شعورًا منِّّي أنّه قصَّرَ المسافات وأدناها لتصيرَ هُتافَ قلبٍ لقلب وهمسًا من روحٍ في رحاب روحٍ.
كما وأكرمني وكتابي الدّكتُور النّاقد الثَّقيف عماد يونس فغالي بمُقدّمةٍ وفّته حقَه، فعُلِّّقت على بابه سراجًا، يضيء درب صاحبه إلى العقول والأفئدة بحبرٍ صادق النبض، لا ينوص وهج نوره بحثيث الخَطو على دروب البقاء.
يوسف ومنيرة، أردتُماني من بعدكُما رجلًا وارفََ الظِّلال بين النَّّاس، وفي أرض ميلادي.
ها اليومُ، يسعدني تحقيق بعض رضاكما، بأن أزفَّ لكما خبر تمادي ظلال كلمتي، بفضل وفاء سيد أفكار إغترابية في أُستراليا، و”عميد الآدب العربي المَهجري المُعاصر” فيها، لقبًا أطلقته عليه الزّميلة كلود ناصيف حرب مؤخّرًا. وكم تمنَّيت لو تكونا حاضرَين لنفيءَ إلى نضرتها معًا، كما كٌرةٌ أرضيّةٌ بأسرها مُنايَ إليها تفيءَ!!،
وها المسافاتُ تدانَت، د.جميل ميلاد الدُّويهي مع صدورِ “…وتقصر المسافة…” حتّى تلاصقنا قلبًا وفكرًا. (https://www.controleng.com/)

د. عماد يونس فغالي: وتقصرُ المسافة… سيلَ يراعٍ ومحبّة!
“كتب الأستاذ سليمان كثيرًا في مشروع أفكار إغترابيّة. ما رأيكَ نجمعها في كتابٍ وفاءَ محبّته؟”
هكذا وردني اتّصال الدكتور جميل الدويهيّ ذاتَ صبيحة.
ما عساه جوابي غيرَ امتنان لهذا التقدير المحقّ، وأنا العارف مكانةَ المتّصل في رحم المكرّم الأدبيّ!
سليمان يوسف ابراهيم، ناسكٌ من عنّايا هو الآخر… في محرابِ الكلمة خاشعٌ يومَه، صومعةَ الأدب! داخلَها فقط، يتواصلُ مع رؤوس المفكّرين في قلاليهم، عبرَ المداد المطبوع، “المشقوع” على رفوفه، يتناوَلهم في تلاواتٍ من فرضه الأدبيّ، ويستقي من مَعينهم، زادًا آبائيًّا، ويعود يرفعُ العماراتِ مقالاتٍ تقرأ شفيفَ فكرهم، ينثرُه عبرَ الأثير، يفيد به المستنيرين!
في هذا السياقِ تعرّف برائدِ الأدب المهجريّ في أستراليا، الدكتور جميل الدويهيّ. وراح يَشيدُ علاقته على أساساته الإنسانيّة المدوَّنة بيراعِه المُلهم. محبّتُه للعربيّةِ ولسانها الأدبيّ، جعلته يهيمُ بانتشارها في المغترَب الذي أمّه عابدًا، فراح يكتبُ فيه المزاميرَ، ويصلّي ابتهالاته على مرامي كلّ من يكهنُ في هيكلِ المشروع للأدب الراقي.
العام ٢٠١٧، حصل سليمان على جائزة الدكتور جميل الدويهيّ للأدب الراقي، فكان أوّل من ينالها في الوطن الأمّ. ولم يكتفِ، فسعى ليحصل على الجائزة أحبّةٌ له رأى استحقاقهم مثله…
وصار مشروع “أفكار إغترابيّة” قضيّتَه. يكتب فيه وعنه، يعرّف به أهلَ دوحته الأدبيّة، ويتناوله كما مؤسّسَه على صفحات التواصل تفاعلاً مستدامًا برفعةٍ وإكبار، ولكن بقناعةٍ فائضة، لا تمكّنكَ من تجاهل.
وأنا الذي لي حصّةُ الأسد في ارتباط الأديب الحبيب مع الدكتور الدويهيّ ومشروعه، أرادني “عرّابًا” لكلّ نشاطٍ مشترك، خصوصًا على أرض الوطن، أشهدُ، لا للكمّ المكتوب كما لفتني صاحبُ الفكرة، لكن للنوعِ المميّز الذي خصّه سليمان للمشروع وناسه. لكنّي أشهد أيضًا، بل أكثر، لهذا الرقيّ في الامتنان والوفاء اللذين خصّهما الدويهيّ ومشروعُه للأديب سليمان. أراداه وفاءً وامتنانًا في المستوى الفكريّ الذي يعشقه المكرّم، فكان الكتاب، حبيبُه، درعَ التكريم، ولسانَ حال الشكر. ما جعلَ المحتفى به في غايةِ النشوةِ والفرح العارم، لأنّه يتكرّم بما كرّس عمره وعشقه إكرامًا له.
وأشهدُ بعدُ لسعادتي البالغة القمّة، لأجلِ صدور هذا الكتاب، لسليمان وفيه، يُضاف إلى نتاجه المطبوع، أنشودةً تغنّيه، تهتفه من قرطاسٍ، ألسنةٌ أحبّتْ يراعه، انتشتْ ببنت أبجده.
سليمان الحبيب، كم قلتُ إنّكَ ربيبُ الكلمة، ماتعٌ في مرتعها. واليوم أهتفُ من صميمي: أنتَ علَمٌ ناصعُ البياض كثلجِ لبنان، صامدٌ في مهبّ العواصف، أرزةً من جبالِ العشقِ الإنسانيّ الذي طال الإلهيّات.
إنْ أضاء الدويهيّ أمامكَ سراجَ أفكاره الإغترابيّة، لن يني يستنير بوهج راقي أدبكَ جمهورٌ في أربعة الأقطار، فتقصر دومًا كلّ مسافة. لكن مهلاً، سأقف أنا، عمادُ، على منارتكَ أطلقُ عاليًا دويَّ محبّتي لشخصكَ وعشقي لكلمتك. منايَ أن يلتصقَ اسمي الأدبيّ بواحةٍ يرتسمُ على صفحتها وجهُكَ مدى الأبد!!!
الأديب جميل الدويهي: “رسول للمحبّة والوفاء من قمم عنّايا”
صدفةٌ أهدت الصديق إليّ، كانت في جلسة حواريّة عن أدب سعيد عقل، في جامعة سيّدة اللويزة 2012، وكان لي نصيب ثلاثيّ الأبعاد في تلك المناسبة، أن أكون رئيساً لقسم من الجلسة، ثمّ محاضراً عن الأسطورة في أدب سعيد عقل، ولقائي بالأديب سليمان يوسف ابراهيم.
خلال ذلك الحدث، اقترب منّي رجل مضيء الوجه، عرفت تواضعه من سيمائه ولهجته، فقدّم نفسه إليّ، ففرحت وسلّمت بقلبي قبل يدي. واستأذنته لأخفّ إلى مكتبي المجاور وأحضر له روايتي القصيرة “طائر الهامة”، وقلت له ما معناه أنّه يستحقّ أن يُهدى إليه العمل الأدبيّ الخارج لتوّه من المطبعة…
ويعود الأديب سليمان ابراهيم معي في سيّارتي إلى جبيل، لأعْرفه أكثر… ولأكتشف أنّه خير جليس في الأنام، ومن أطايب المحدّثين اللبقين فكراً وأدباً وأخلاقاً. كيف لا، وهو المدرّس العريق في مهمّته الإنسانيّة، والناقد الساهر لإبراز أعمال الآخرين؟… يقول دائماً: أكتبوا لنكتب عنكم، وهي جملة تدلّ على سموّ تضحيته ووفائه. كما أنّه الأديب الذي يطرح غلال كلمته بيادر من ذهب، وله صولات وجولات في ساحة الإبداع المضيء… ويشكّل مع الأديب الدكتور عماد يونس فغالي، والأديب الدكتور جوزيف ياغي الجميّل، وكبار آخرين يضيق المجال بذكرهم، حالة ثقافيّة قائمة بذاتها، سواءٌ في منتدى “لقاء”، أم خارج “لقاء”، أي في أروقة الثقافة اللبنانية والعربية.
توطّدت محبّتي للأديب سليمان يوسف ابراهيم في السنوات الماضية، وأعتقد أنّني مهما فعلت لا أستطيع أن أفيه حقّه… ومهما حاولت أن أردّ جميله، أجده يسبقي إلى الجميل بأميال… حتّى أصبح تقصيري في ردّ معروفه يؤرّقني ويتعبني… لكنّه الهمّ الجميل اللذيذ الذي يدغدغ الزمان، ويملأه عطراً… وهذا الكتاب هو نفحة طيّبة من ربيع الصداقة النبيلة، بيد أنّ تلك الصداقة لم تكن وحدها الأساس في النقد، بل الأساس هو تقدير الرجل العصاميّ لمن يشبهه، أحدهما مقيم والآخر متهجّر، ليس له جناحان.
… هذا الكتاب هو رسالة من رسول للمحبّة والوفاء من قمم عنّايا.