مئوية الفيلسوف المعاصر إدغار موران والموقف من احتضار العالم
سليمان بختي
نادرا ما يحتفل فيلسوف أو مفكر أو فنان بمئوية ولادته ولم يزل على قيد الحياة وقيد الفكر والإنتاج وتعزيز الوعي والمعرفة.
إنه “إدغار موران” ولد في باريس في 8 تموز 1921.
فيلسوف وعالم إجتماع ومفكر فرنسي معاصر. ويعرف إدغار موران نفسه أيضا بأنه من بنّائي علم النفس.
هاجرت أسرته في بداية القرن العشرين من سالوميك في اليونان إلى باريس حيث ولد إدغار هناك.
عندما غزا الألمان فرنسا في العام 1940 قام إدغار بمساعدة اللاجئين ثم انضم إلى المقاومة الفرنسية واستخدم اسم “موران” كاسم حركي بوصفه عضوا في صفوف المقاومة الفرنسية.
عام 1941 انضم إلى الحزب الشيوعي مناضلا فاعلا.
قام بتأسيس مجلة “أرغيومنتس” بين 1954-1962 وكذلك أصدر عام 1959 كتابه “النقد الذاتي” وفي هذا الكتاب يشرح إدغار موران لماذا دخل إلى الحزب الشيوعي ولماذا خرج منه.
سافر عام 1960 إلى أميركا اللاتينية وزار البرازيل وتشيلي وبوليفيا والبيرو والمكسيك. ثم عاد إلى فرنسا ونشر كتابه “روح الأزمنة”.
يقول إدغار موران من يفكر أحمق. ويرى أن هناك المنطق والوعي والمعرفة وعلم الأحياء والفنون وخصوصا السينما.
ومن أهم مؤلفاته:” الأحمق الغبي هو من لا يفكر”. كما أصدر مؤلفا موسوعيا من 100 جزء بعنوان “السينما أو الرجل الخيالي”. وكذلك أصدر: “وحدة الإنسان” و”الإنسان والموت” و”هل نسير إلى الهاوية” و”الفكر والمستقبل، مدخل إلى الفكر المركب”. و”عنف العالم مع جين بودريار” و” المنهج إنسانية البشرية، الهوية البشرية” و”المنهج الأفكار، مقامها حياتها عاداتها تنظيمها” “المنهج معرفة المعرفة، انتروبولوجيا المعرفة” و”إلى أين يسير العالم” و”نحو سياسة حضارية، ثقافة أوروبا وبربريتها”.
ظل إدغار موران طول حياته المديدة مشتبكا مع قضايا وإشكاليات عصره ومع هذا التفاعل ظهّر موران نموذجا للمفكر المجتهد الذي يسعى إلى ربط الفكر والواقع ولأجل فهمه وتجاوزه وتغييره.
كان إدغار موران دائما مثقف المعمعة ولم ينعزل بل بقي متواصلا مع قاعدته ومواقعه. وكان له موقف من قضايا عصره. قاوم الفاشية والنازية. واتخذ موقفا حاسما ضد الستالينية.
وفي الستينات أيّد حق الجزائر بالإستقلال. وكانت مواقفه صريحة ومتعاطفة مع الفلسطينيين. ورفض حرب فييتنام ومنطقها. كما وقف ضد نظام الأبارتاهيد في جنوب إفريقيا وممارسته التمييزية العنصرية.
إمتلك إدغار موران شغفا معرفيا هائلا فبالإضافة إلى دراسته الفلسفة درس التاريخ والجغرافيا والحقوق وعلم الاجتماع والإنتروبولوجيا والفيزياء وعلم الأحياء وظل يتابع تطورات التقنيات العلمية في العالم وآخر أخبار الاختراعات.
أصدر إدغار موران بين عامي 1977 و2004 مجلّداته الستة وهي : “طبيعة الطبيعة” (1977) و”حياة الحياة” (1980) و “معرفة المعرفة” (1986) و” الأفكار” (1991) و”إنسانية الإنسان”(2001) و “الأخلاق” (2004). ونقل إلى العربية “المعرفة” و”الأفكار” بترجمة من الباحث السوري جمال شحيّد.
حاول موران في هذه المجلّدات استشفاف سمات العقل البشري وآلياته وطرق الوصول إلى المعرفة بما فيها الكومبيوتر. ولعل في مجلّداته تلك استطاع موران أن يكسر الحدود بين الحقول والمجالات المعرفية المختلفة والمتنوعة.
حاز إدغار موران الدكتوراه الفخرية من جامعة بلنسيا 2004 والدكتوراه الفخرية من جامعة لافال 2007 وحاز وسام جوقة الشرف من رتبة قائد عام 2001 والجائزة الدولية لكتالونيا عام 1994.
عام 2007 أصدر إدغار موران كتابه المهم “إلى أين يسير العالم” مطلقا على هذا العالم صفة “العصر الحديدي الكوكبي” وبرأيه أن العالم يشهد تقدما تقنيا قويا ولكن الإنسانية ستظل أسيرة الهيمنة والصراع والاختلافات. وبرأيه أن التمادي في الهيمنة والصراع سيؤدي إلى ما سماه “مقومات الاحتضار” أو “العدم المتبادل”.
ولكن كيف يمكن الخروج من أسر هذه الحلقة العدمية؟ برأيه من خلال إيقاظ الضمير الإنساني ومن خلال توجيه النضال ضد الظلم الإنساني الكبير. ويرى موران أن الإنسانية هي “قدرنا المشترك” وكل إنسان مهما كانت مكانته وثروته وعرقه وجنسه ودينه يجب أن يتحمل مسؤولية ما يحصل. وهو ما أطلق عليه اسم “التضامن الكوني” وخاصة في زمن الجائحة الفيروسية والرأسمالية الجائزة المتفلتة من كل قيد. ورغم الأزمات الكونية التي تصيب العالم يؤمن موران بأن “الأزمات تجدد الخليقة”.
يعرف إدغار موران أن الأفكار تتجدد مثل الأزمات في هذا العالم المتغير ويخاف على إنسانية الإنسان أن تُهزم أمام العصر الحديدي للكوكب.
في مئويته التي يعيشها إدغار موران اليوم مع نفسه وعائلته وأصدقائه وتلاميذه والعالم وكأنها لا بداية ولا نهاية بل “نشأة مستأنفة” على ما يقول ابن خلدون.