سجلوا عندكم

المدينة والمجتمع… حلّ لمشاكل البشرية أم شرارة حروب وصراعات؟!

Views: 34

أنطوان يزبك

 

الانعزال غير عمليّ والمجتمع قاتل، علينا أن نبقي رأسنا في أحدهما وأيدينا في الآخر، كي نحافظ على استقلاليتنا من دون أن نفقد تعاطفنا (ايمرسون).

 

في هذا الزمن صار الاجتماع  مؤلما، أن نعيش مع الآخر يعني أن نكابد  الآلام والمشاكل الاجتماعية والتناقضات التي تنتهي كلها بالصراعات، الطبقية الاجتماعية، الثقافية، الدينية والاقتصادية. ولا يستطيع الإنسان الانزواء والانطواء على نفسه كي يعيش حياة روبنسون كروزو، رائعة الكاتب الإنكليزي دانييل دوفوي التي كنا نقرأها في طفولتنا على أنها رواية مغامرات بريئة للفتيان، حتى تبين لنا لاحقا أنها رواية سياسية بامتياز، كتبها دوفوي تعبيرا عن امتعاضه من سياسة الملك الإنكليزي ، وكان من عتاة المعارضين وقد سجن واضطهد في حينه، جرّاء كتاباته واشعاره المحرضة على النظام.

وعليه، فرض على الإنسان أن يعيش في مدن الحضارة الحديثة، ليلقى مصيره من عذاب وتناقضات،  فإذا اذعن عاش مظلوما ومتألما وواقعًا تحت وطأة إذلال لا يطاق، وفي حال ثار قوبل بالقمع والإقصاء والترويع وكم الأفواه والإكراه على الصمت.

ورب سائل هل يتواصل أهل المدن ليجدوا كلمة سواء بينهم حتى يفكوا عزلتهم؟

يقول هنري ثورو في هذا الخصوص: “حياة المدينة هي عبارة عن آلاف البشر المنعزلين معا” .

ما أقسى هكذا عزلة وسط الازدحام، أن تكون وحيدا في مكان ناء، فهذه ليست بوحدة، الوحدة الحقيقية هي في حضورك بين العشرات وليس ثمة من توجه له الكلام، أو تجد من تتكل عليه ولو في مسألة  بسيطة.

اللوحة للرسامة التشكيلية هند أبو إسبر طنوس

 

حذر المفكرون والفلاسفة والمصلحون والأنبياء من حياة المدينة، فقد دعا فلاسفة الصين مثل لاوتزي ، كونفوشيوس، ومانشيز إلى العودة إلى حياة الريف حيث الهدوء والدعة والتأمل والعودة إلى الذات.. ونادى جان جاك روسو بعبادة الله من خلال الطبيعة والعودة إليها كبديل عن التحضر وحياة المدن، وبشّر فولتير بإنسان جديد  نقي ، تقي ، نظيف ، غير ملتاث بلوثة الحضارة الضارة في رواياته الفلسفية مثل: Candide وl’Ingénu وغيرها التي ظاهرها حكاية وباطنها، معانٍ ومقاصد يتلقفها ذوو الالباب والاذكياء.

ولا نغفل في هذه العجالة تولستوي الذي اعتكف في مزارعه وسعى إلى إحداث مجتمعات نموذجية فيها الكثير من الرأفة والرحمة والإنسانية بعيدا عن وحش الحضارة المغرضة الزائلة ، ذات التعاليم الهدامة والسموم القاتلة، حضارة الزيف والزخرف كما يحلو لميخائيل نعيمة أن يطلق عليها، وقد عاش نسكه الرائع في الشخروب في جبل صنين فوق بلدة بسكنتا، الملتحفة باطواد شاهقة ، وكأنها قطعة من فردوس عدنية الهواء، على سطح الأرض.

وبعد هل الحضارة ذاهبة إلى زوال ، ام انها ستتابع البقاء والنمو؟ هل سيبقى الإنسان تعيسًا في سجن حواضره ام سيأتي يوم ينعتق فيه من عبودية المكان والمدينة التي تكبله وتستعبده تحت شعارات التقدم والحضارة؟

واضح أن الإنسان لا يتعلم ويستمر في صراعاته ولا أبلغ من قول أينشتاين: “أجهل نوع الأسلحة التي سوف تخاض بها الحرب العالمية الثالثة ولكن أنا متأكد ، أن الحرب العالمية الرابعة سوف تخاض بالعصي والحجارة!!”

(Ambien Online)

Comments: 1

Your email address will not be published. Required fields are marked with *