سجلوا عندكم

بولس طوق في الضفة المقابلة من المدينة

Views: 113

د. جورج طراد

في زحمة الأسود الذي يلفنا من كل صوب حلت الفاجعة القاصمة.

الدكتور بولس طوق لم يعد في المدينة. لقد أخلى المكان بصمت. كعادته. شامخا كرمح. قاطعا كسيف. انوفا كفارس أصيل.

من سنوات طويلة أعرف الدكتور بولس. في الكتابة وفي جلسات الفكر. عاصرته زميلا شهما في الجامعة أحبه طلابه لانه ما دخل قاعة المحاضرة يوما إلا بيدين مكتنزتين، يوزع منهما المعرفة ويشبع نهم طلابه ومريديه الكثر. (Tramadol)

كلام كثير يمكن أن يقال عن الدكتور بولس. ولكنني بالبساطة المباشرة، التي كان يحب، ساختار ثلاث محطات/لمعات في علاقتنا:

أولاها كانت في اوائل ستينات القرن الماضي. كنت تلميذا في معهد الفرير في طرابلس عندما انزلونا إلى المسرح. وهناك كان الأديب والفيلسوف مخائيل نعيمة ليحاضر فينا. يومها انبرى فتى جاء برفقة نعيمة ليقرأ لنا من نتاج الأديب المهجري الكبير.. ذاك الفتى المبدع لم يكن سوى بولس العاصي طوق. وأذكر أن نعيمة توقّع له مستقبلا لامعا في عالم الأدب. وتوقعات الكبار عادة لا تخيب.. وما خابت بالفعل.

 

المحطة الثانية عندما ترشح للانتخابات النيابة بصمت. فقد كنا نجلس بعيد ترشحه في غرفة الدكاترة في الجامعة ونتناقش في الفكر والوطن والشعر والماورائيات والفلسفة. ومع انه يعرف تماما انني من دائرته الانتخابية فإنه لم يفاتحني بالأمر ولم يطلب صوتي. وحين قلت له انني ساؤيده ابتسم بكل إباء وقال: شكرا. افعل ما تريد، فترشحي ليس سوى وقفة مبدئية!

أما المحطة الثالثة فجاءت عندما أقيمت لمؤلفاته ندوة حاشدة في بيت المحامي في بيروت. يومها وقفت معه لحظات لاهنئه على نتاجه الفكري الغزير وعلى كتبه المميزة. التفت واجاب باختصار: لست أدري إن كان سيبقى بعد سنوات من سيقرأ الكتب الورقية!

هكذا كان الدكتور بولس. قليل الكلام، عميقه. يقول رأيه ويصمت. لك أن تناقش، توافق أو تعارض. أما هو فمبتسم ومقتنع بما قال.

اليوم أيضا. الدكتور بولس مبتسم وهادئ. انتقل الى الضفة المقابلة. ولكنه باق هنا. بكل بساطة ذهب ليرتاح قليلا ثم يعود. يعود من خلال كتبه المكتنزة ومن خلال اللهب الذي اشعله في صدور طلابه ومحبيه، وهم كثر من دون شك. لذلك لا نقول له: وداعا يا بولس ولكن: إلى اللقاء.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *