الدور الخارجي الرئاسي
خليل الخوري
قلّما اختار لبنان رئيسه بفعلٍ محض داخلي. ولقد يصح القول إنه لم يحدث، على الإطلاق، أن وصل أي من الرؤساء السابقين الى سدّة الكرسي الأول إلا بدور من خارج الحدود. أحياناً كان هذا الدور الخارجي فاعلاً بالنسبة الكبيرة، وأحياناً بنسبة تختلف بين رئيس وآخر. حيناً كان التدخل الخارجي فاقعاً، وحيناً آخر كان مخفياً، ولكنه كان ذا فاعلية في كل حين.
منذ ما قبل الاستقلال كان المنتدِب الفرنسي يعيـّن «رئيس الدولة» في لبنان. واستمر هذا الدور إلى أن أطاحه الدور الانكليزي الذي أبعد أميل اده لمصلحة بشاره الخوري.
وبعد نَيل لبنان استقلاله تعاظم الدور الانكليزي، وكانت أبرز تجلياته أن حميد فرنجية نام رئيساً للجمهورية ليستيقظ اللبنانيون على كميل شمعون في قصر القنطاري.
وبأفول نجمَي باريس ولندن من حيث التأثير سطع نجم الدور الأميركي، فوصل فؤاد شهاب بتقاطع الأميركي والمصري (زمن جمال عبد الناصر) على تأييده. إلى أن دخل الفاتيكان على الخط بوصول شارل حلو إلى الرئاسة.
وعندما اتخذ «المكتب الثاني» (أضحت تسميته «مخابرات الجيش» لاحقاً، ولا تزال) عندما اتخذ قرارَ منع وزير الاقتصاد سليمان فرنجية من التحدث في الشؤون السياسية، ليحصر كلامه في البصل والبطاطا، كما قال أحد ضباط المكتب في ذلك الحين، قصد الزعيم الزغرتاوي موسكو في زيارة رسمية سنة 1970 ليعود منها إلى لبنان رئيساً، ولم تكن موسكو قد نسيت، بعد «فخّ طائرة الميراج» المقاتلة التي كانت العمود الفقري لسلاح الجو اللبناني والتي كان الاتحاد السوفياتي يسعى جاهداً إلى الحصول على أسرارها، فوقعت موسكو في فخ المكتب الثاني اللبناني وتدخلت بقوة لمنع وصول مرشح «النهج» الشهابي الياس سركيس الذي كان منافساً فرنجية (…).
ومع الأسدين حافظ وبشار الصورة الرئاسية معروفة، خصوصاً بعد اتفاق الطائف.
والبحث يطول، ولا بد من ختامه بأن أولئك الرؤساء، الذين ذكرناهم أعلاه، كان كل منهم على وطنية صادقة رفيعة، وصحيح أنهم وصلوا بتأثير من عواصم مختلفة، إلّا أنهم كانوا أصدقاء، يتعاملون بندية وكرامة وبحرص أكيد على مصلحة لبنان واللبنانيين.