صداقة لينين وكيرنسكي، فوق احتمالات المواجهة
د. إيلي جرجي الياس
*الحلقة 28 من سلسلة القيادات الروسيّة والسوفياتيّة 1900-2022، رؤية تحليليّة واستراتيجيّة!!
الثورات مليئة بالأسرار والألغاز ومغلّفة بالغموض والغرابة، ويبقى البحث العلميّ ساعياً إلى تقديم الحلول وتوثيق الاستنتاجات وتحقيق الخلاصات… فكيف إذا كان المثل الساطع الثورة المفصليّة في التاريخ الروسيّ لا بل العالميّ، الحديث والمُعاصر، أعني بها الثورة الروسية المجيدة… عن علاقة القائدين لينين وكيرنسكي تحديداً…
علاقة نوعية من زمن الطفولة، وصداقة وثيقة في زمن الشباب، أثّرتا على التفاهم التاريخيّ الغامض لقائدين، معاً في مسار الثورة، ولو من موقع الندّ للندّ…
ولكن من مهّد الطريق من راسبوتين إلى لينين؟
إنّه حتماً القائد الثوريّ ألكسندر كيرنسكي… فبين دانتون المحاور والمناقش ممثّلاً بكيرنسكي، ودانتون العنيد والمتشدّد ممثّلاً بلينين، ظهر إعجابهما المشترك بدانتون، وأمكن حماية الثورة إلى حين، من شخصية روبسبيير العنيفة والقاسية، والتي تقمّصها في ما بعد ببراعة الزعيم الحديديّ جوزف ستالين…
كان كيرنسكي سيّد القرارات في المرحلة الأولى من الثورة، حتّى زمن الأمير لفوف، وبعد ذلك تولّى القيادة مباشرةً… وكان لينين، ينتظر دوره، إذا فشل كيرنسكي يوماً، وقد فشل!!
أمّا ما كشفه إميل الخوري فعظيم: عهد شرفٍ بين الرجلين، جاري الطفولة ورفيقي الصبا، بضمانة والديهما الصديقين الصدوقين، واحترام متبادل وشامل، وإعجاب أكيد ومشترك، وإشادة أحدهما بالآخر، في السرّاء والضرّاء…
وهكذا، حمى كيرنسكي رئيساً للحكومة الانتقالية لينين من الاعتقال، حتّى في أحلك الظروف وأصعبها!! كما أنقذ لينين كيرنسكي بعد نجاح ثورة أكتوبر البلشفية، وسقوط الحكومة الانتقالية، وبرعايته غادر كيرنسكي البلاد واستقرّ أخيراً في باريس…
ولعلّ لينين ردّ التحيّة مرّتين إلى كيرنسكي، مع وصول الأمير لفوف إلى باريس أيضاً، إثر هروبٍ غامضٍ ومفاجئ…
هل حذّر كيرنسكي لينين من طموحات ستالين وتهوّر تروتسكي؟
يبدو الأمر وارداً، وبقوّة!!”
(من مقالتي العلمية: الكرملين، من القيصر وكيرنسكي وراسبوتين، إلى تروتسكي ولينين وستالين: سلسلة من الأسرار والأحداث والمفاجأت!!، الدراسات الأمنية، مجلة فصلية محكمة، تصدر عن الأمن، العدد 91، تموز 2022، ص 99، 100).
***
* د. إيلي جرجي الياس، كاتب، وباحث استراتيجيّ، وأستاذ جامعيّ.