سجلوا عندكم

وثيقة الأُخوّة الإنسانية: “الدين في الفضاء العمومي”

Views: 226

إعداد: د. مصطفى الحلوة

 

في واحدةٍ من المحاولات البحثيّة الجادّة ، الناهدة إلى الإسهام في ترجمة عملية لـِ “وثيقة الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك”، التي تمَّ توقيعُها بين قداسة الحبرَ الأعظم البابا فرنسيس وإمام الجامع الأزهر د. أحمد الطيّب (4 شباط 2019) ، نظّم “مركز تموز للدراسات والتكوين على الموطنيّة ” ، بالتعاون مع مؤسسة “أرض المبدعين” ، وعلى مدى يَومَي 26 و 27 آب 2022 (مركز “لقاء” – الربوة) مؤتمرًٍا إقليميًّا ، بعنوان : “وثيقة الأخوّة الإنسانية : الدين في الفضاء العمومي ” .  وقد شارك في أعمال المؤتمر باحثون وأكاديميون ، من فرنسا وتونس والعراق ولبنان ، مختصّون في مجالات الفلسفة وعلم الأديان وعلم الاجتماع والتربية والإعلام .

وقد كلّف فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون النائب د. إدغار طرابلسي بتمثيله في هذا المؤتمر وبنقل تحياتِهِ إلى منظمِّيه والمشاركين فيه، مع دعمه وتمنياته بنجاح أعماله . وقد زفّ د. طرابلسي إلى المؤتمرين تشكيل “لجنة رسمية” ، سُمِّيت “لجنة التنسيق” لإنشاء “أكاديمية الإنسان للتلاقي والحوار”، التي كان فخامتُهُ قد طرحها على الجمعية العامة للأمم المتحدة ، وتمَّ إقرارها في الدورة السابعة (2018) ، وعلى أن تُقام هذه الاكاديمية على أرض الدامور (لبنان) .

في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر ، التي مهَّد لها وأدارها د. مصطفى الحلوة، كانت على التوالي : كلمة  “مركز تموز” ومنسق المؤتمر د. حنّا الحاج، الذي شدَّد على أن هذا المؤتمر هو صرخةٌ رافضة لكل المسار الانحداري غير المسبوق لشعوب الشرق الأوسط وللإنسانية جمعاء . وأضاف أن المؤتمر يسعى إلى مقاربة إشكاليات بنيويّة ، تُحاكي متطلّبات شعوبنا للخروج من عنق الزجاجة إلى فضاء التنوير والسلام والازدهار . وختم بأن “وثيقة الأخوّة” تتكامل في مضامينها مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948) . وأعقب هذه الكلمة كلمة الأستاذ كمال بكاسيني ، رئيس مؤسسة “أرض المبدعين” ومما جاء فيها: “إنّنا بكلامنا على الأخوّة الإنسانية ، فإنما نتكلّم على لبنان ، هذا البلد الذي يرفض الزوال ، والذي يؤكِّدُ يوميًّا على أنه بلد الانفتاح والعيش الواحد ومصنع الإنسانية ” . وقد نوّه بهذا الصرح ، صرح “لقاء” الذي وفّر ، منذ تأسيسه، مساحة لحوار الأديان والحضارات ، وليكون مكانًا لتلاقيها ، وصولاً إلى تكريس العيش الواحد .

وقد كانت كلمة للقيّم البطريركي العام (العلماني) لطائفة الروم الملكيين الكاثوليك المهندس الأستاذ أنطوان شار ، الذي استهلّ منوِّهًا بالمحاضرين، لجهة تخصّصهم العلمي ومواقعهم المؤثِّرة في الحياة العامة ، مشدِّدًا على أن هذه “الوثيقة” هي أكثر أهميّةً من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، إذْ وضع موقِّعا “الوثيقة” الإصبع على كل المشكلات التي تواجه عالمنا اليوم مع رسم طُرُقٍ للخلاص . ولفت إلى أن ثمة ما يجمع بين “وثيقة الأخوة” والسينودُس لأجل لبنان (1997) ، لما يتسمان به من أبعادٍ عالمية . وقد قدّم الأستاذ شار مقترحًا، حول إدراج “الوثيقة” في المناهج التربوية في لبنان ، مع إيجاد الآليات الملائمة لحُسن تنفيذ هذا المقترح .

إلى الجلسة الافتتاحية ، كانت ستُّ جلسات ، تناولت العناوين الآتية : وثيقة الأخوّة الإنسانية : الدين في الفضاء العمومي / التسامح وحدوده/ وثيقة الأخوّة الإنسانية : نحو تفسير جديد للنصّ الديني / وثيقة الأخوّة الإنسانية في رسالتيها : تحرير المؤمن وتحررّ المواطن / نحو تعليم ديني مُتجدِّد يُعزّز فرص السلام بين المجتمعات وداخلها / قراءة سياسية في مُراد المتكلّم (الله) .

وقد كانت عشرُ أوراق عمل ، قدّمها على التوالي : د. أدونيس العكره ، الأب البروفسور جورج حبيقه ، د. الطاهر بن قيزة (تونس) ، الشيخ د. محمد النُقرى (فرنسا) ، الأب نعمة صليبا ، د. خالد عليوي العرداوي (العراق)،     د. سمير خوري ، د. نمر فريحة ، أ. روني ألفا ، النائب د. إدغار طرابلسي .

وقد كانت مشاركة لممثلي مرجعيات دينية وفاعليات مدنية ، مع حضور طالبي من الجامعة اللبنانية (الدراسات العُليا) وإلى مهتمين . وقد تميّزت جلسات المؤتمر بحوار تفاعلي وتعقيبات وازنة ، أفضت إلى إِثراء البيان الختامي ، برؤاه ومقترحاته والتوصيات . ولدى اختتام أعمال المؤتمر وزّع د. أدونيس العكره شهادات مشاركة وحضور على الطلبة الجامعيين ، بمشاركة ممثّل فخامة رئيس الجمهورية د. طرابلسي والسيّدين كمال بكاسيني وأنطوان شار .  

 

أولاً : في تحديد وجلاء بعض المفاهيم والإشكاليات :

وضعًا لبعض المفاهيم في نصابها الصحيح ، وجلاء بعض القضايا الإشكالية ، التي هي على تماس مباشر مع أطروحات “وثيقة الأخوّة” ، نتوقّف لمامًا عند المسائل الآتية :

  • الفضاء العمومي ، وهو يعني المجتمع ، ميدان التنوّعات والاختلافات ، ومجال تكوُّن الرأي الإرادة العامة ، من خلال الحوار المواطني والنقاش الفعلي العام ، والمواجهة بين الأفكار والآراء المختلفة والمتقاطعة .
  • العقل العمومي ، عند تقاطع الأفكار والآراء ، يبرز العقل العمومي ، الذي يعمل ضمن مبدأ المشاركة ، وقبول التشارك في العيش معًا ، أي قبول الآخر المختلف . وهو يتحاشى الرهان على المُطلق وعلى الإيمان بحقيقةٍ تتجاوز قدرات العقل على معرفتها معرفةً علمية ، ويختلف الأفراد حولها ، في معتقداتهم .
  • الفضاء الدولتي، هو ميدان عمل الحكومة ، وهو الفضاء الذي تتخذ فيه القرارات ، وتتحدّد المشتركات ، التي ينبني عليها القرار السياسي وتُوضع آليات تنفيذه ، بالعدل والمساواة بين الناس ، من دون تسلّط المطلقات على دائرة الدولة ، ولا الدولة على دائرة المُطلقات . أدينيّةً كانت أم ميتافيزيقية .
  • الدين ، هو في حقيقتِهِ ، منظومة من العقائد والقواعد والمبادئ والقوانين والأحكام ، وُجدت لإصلاح حياة الناس وجعلها جنّة دنيوية ملموسة وقابلة للحُكم عليها ، لتُشكِّل انعكاسًا طبيعيًّا لجنّة السماء ، على الرُغم من تفاوت الشعور الإنساني بالسعادة بين الجنتين .
  • الدولة ، في جوهرها ، سُلطة ، بمعنى أن ميزة الدولة أن تكون سُلطة تعلو على كل إرادة ، تُوجد على إقليمها . وهي تُمثِّل إمّا مجموع الحُكّام القابضين على السُلطة ، في فئة اجتماعية مُعيّنة، وإمَّا هذه الفئة الاجتماعية نفسها ، التي يتمُّ فيها التمييز بين الحُكّام والمحكومين .
  • النظام العلماني ، هو نظام سياسي وقانوني ، وظيفتُهُ وضع تمييز واضح بين الدولة والدين ، تكونُ فيه الدولة مُحايدة حيال التعابير الدينية المختلفة ، مع التأكيد على التمييز بين المجال العام والمجال الخاص أي بين الدين والمجال العمومي .

 

 ثانيًا : على هامش “الوثيقة” / تساؤلات وهواجس

مع التطلُّع برجاء وأمل بترجمة “وثيقة الإخوة الإنسانية” واقعًا معيشًا ، ووضعها موضع التنفيذ العملي ، فإن ثمّة بعض التساؤلات حولها ، كما حول ما تُثيرُ من قضايا ، تتفرّع منها ، نُدرجها تحت الآتي :

  • هل ستتمكن هذه “الوثيقة” من تحقيق مُبتغاها ، أم ستغدو مجرّد إعلان نوايا صالحة ، ووثيقة ، قيّمة للباحثين ، ولعدد قليل من المخلصين ، من دون أيّ تأثير على تغيير المجتمعات ، التي يغيبُ فيها الضمير الإنساني ؟
  • هل ستكون هذه “الوثيقة” بابًا لتفاهمات سياسية عليا، تضمنها “الأمم المتحدة” أو “نظامًا عالميًا جديدًا ” أو “حكومة عالمية” ، للخروج من صراعات “حدود الدم” بين أتباع الحضارات والديانات المختلفة ، وفق تعبير صموئيل هانتغتون، في كتابه “صدام الحضارات : إعادة صُنع النظام العالمي ” ؟
  • ماذا عن أتباع الديانات والطوائف التوحيدية الأخرى؟ هل هم مدعوّون لتبنِّي “الوثيقة” ؟ وماذا عن العالم غير الديني وأولئك الذين يؤمنون بأكثر من إله ، ويدينون بديانات إنسانية أو طبيعية أو حِكميّة ، لا تعودُ إلى التراث الإبراهيمي التوحيدي؟ وماذا عن اللاأدريّين والمحلدين وعٌبَّاد المال ومن لا ضمير لهم، ويُمسكون بالمقود الفعلي لشعوبهم وللعالم ؟
  • ماذا عن الوُعّاظ في العالم العربي ، من مسيحيين ومسلمين ، هل سيلتزمون “الوثيقة” ، من حيث “بناء ثقافة الحوار دربًا ، والتعاون المشترك سبيلاً ، والتعارف المتبادل ، نهجًا وطريقًا؟”.
  • تأسيسًا على الرسالة ، التي توجهها “الوثيقة” إلى الديمقراطية ، لنا أن نتساءل: هل ثمة ضرورة لإلغاء التديُّن ، لدى الإنسان والمؤمن ، كي يكون مواطنًا ؟ وهل ينبغي إلغاء الدين كي تستقيم المواطنية وتتحقّق الديمقراطية ؟ بل هل ينبغي إلغاء الدين من الدولة لكي يتحقّق فيها النظام الديمقراطي ؟
  • ماذا يُريد المتكلّم – أي الله ؟ هل لديه إرادة يُعلنها لعيشتنا الأرضية أو أنه مهتمٌّ فقط بخلاصنا الأبدي ؟
  • من دون الآخر ، من دون “اللا أنا” ، هل كان من الممكن أن أعي هويّتي الخاصة ؟ أليس “اللا أنا” هذا هو نفسه ذاك الغريب، الذي هو أساس غيريّتي في الكلّ ، المجزوء ، المتمثّل بالبشرية جمعاء ؟
  • كيف يمكن إدارة الموارد البشرية ، في أشكالها المتنوّعة والمتنافرة ، ودفعُها إلى قبول بعضها البعض ، كصلة وصل بين خبرات بشرية ضرورية ، من أجل مقاربة مُتشعّبة للواقع، مُعقّد الأبعاد ؟
  • من منظور التسامح ، يبقى السؤال الآتي : هل يمكن للعقل أن يشرِّع للمجال الديني ؟
  • إلى أي حدّ يتعيّن / يُمكن أن نكون متسامحين ؟ هل يمكن أن يكون التسامح مُطلقًا بلا حدود ؟ وما هي الوضعيات التي يكون فيها التسامح مُستحيلاً ؟

 

ثالثًا : في مضامين “وثيقة الأخوة الإنسانية” ومبادئها الإثني عشر

  • وجّهت “الوثيقة” ، في مقدّمتها ، دعوةً مباشرةً للإنسانية عمومًا ، وللمؤمن بخاصة ، ليكون دوره في الحياة قائمًا على العطاء ومُساعدة الغير ، تأكيدًا على الوحدة الإنسانية بين البشر .
  • أبرزت “الوثيقة” العِلل الكبيرة ، التي تُعاني منها البشرية اليوم، أبرزها : الفقر والبؤس والحرمان والتهميش والتمييز واليتم والترمُّل ، والتهجير والنزوح والحروب ، والظلم والاضطهاد والتعذيب ، وفقدان الأمن وغياب السلام والتعايش ، وانتشار التناحر والخراب والدمار ، والتعصُّب والتفرقة ، والرأسمالية المتوحشة ، والتسلّح ، والإدمان ، والتراجع المُناخي ، والانحدار الأخلاقي.. وهي علَلٌ باتت تهدِّد مصير البشرية ، وتنذرها بكوارث كبيرة .
  • بعد تحديد هذه العلل ، طرحت “الوثيقة” المنطلق لكيفية معالجتها، وهي تتمحور حول أربعة مرتكزات : الإيمان بالله الحرية ، العدل والرحمة وإرادة البشر الخيِّرة . وقد جرى التعبير عن هذه المرتكزات بالقول : “باسم الله” وباسم الحرية، وباسم العدل والرحمة ، وباسم كل الأشخاص ذوي الإرادة الصالحة ” .
  • ثم أدرجت “الوثيقة” بتفصيل المبادئ الإثني عشر التي تقوم عليها ، وتتلخّص في الآتي : الله وهب الحياة والحرية لكل البشر كي يحافظوا عليهما ، وليكونوا متساوين في الحقوق والواجبات والكرامة / المؤمن يرى في الآخر أخًا له وليس عدّوًا أو خصمًا / لا سبيل إلى تحقيق مشيئة الله إلا بالحوار والتعاون المشترك والتعارف بين المؤمنين بالله ، وبينهم وبين غير المؤمنين / رفض التطرّف الديني والتشدّد والتعصُّب الأعمى / الحرية حق لكل إنسان : اعتقادًا وفكرًا وتعبيرًا وممارسةً / التعدُّدية ، بمعزل عن شكلها ، حكمةٌ لمشيئة
    إلهية ، فطر الله البشر عليها / إن الله في غنى عمَّن يُدافع عنه وإن استخدام اسمه لتبرير القتل والإرهاب هو جريمة بحق الله والإيمان / الحوار بين المؤمنين يعني التلاقي في المساحة الهائلة للقيم الروحية والإنسانية والاجتماعية المشتركة / حماية دور العبادة واجبٌ تفرضه كل الأديان / ليس الإرهاب نتاجًا للدين ، بل هو نتيجة الفهم الخاطئ لنصوص الأديان / الاعتراف بحق المرأة في التعليم والعمل وممارسة الحقوق السياسية ضرورة مُلِحَّة / العمل على ترسيخ المواطنة الكاملة في المجتمعات والتخلّي عن الاستخدام الاقصائي لمصطلح الأقليات.
  • تذهب “الوثيقة” إلى أن كل ما يُخالف هذه المبادئ هو انحرافٌ عن التعاليم الدينية لاستغلال الأديان في السياسة ، ونتيجة تأويلات لا علاقة لها بصحيح الدين .

 

رابعًا : في الرؤى وبعض الثوابت :

جاءت “الوثيقة” تتويجًا لكل ما سبقها من وثائق عالمية ، نبّهت إلى دور الأديان ، في بناء السلام العالمي . وقد رُئي إليها كي تكون دستورًا عالميًّا للتعايش والتسامح . بل أراد لها موقِّعاها ، قداسة الحبر الأعظم وإمام الجامع الأزهر ، أن تغدو دليلاً للأجيال القادمة ، تأخذهم إلى ثقافة الاحترام المتبادل ، ونشر قيم الخير والمحبة والسلام .

  • ” إن هذه الوثيقة ليست خارطة طريق ، بقدر ما هي التزامٌ ، يجب القيام به ، بشكل يومي ” . هذا ما أدلى به رئيس المجلس البابوي للحوار بين الأديان الكاردينال أيوسو جيكسوت ، في كلمته ، بمعرض إكسبو دُبي ، بمناسبة الاحتفال ، باليوم العالمي الثاني للأخوة الإنسانية ( 4 شباط 2022 ) .
  • تزامن إعلان “الوثيقة” مع تنامي مفرط وخطير في التيارات الفكرية المتطرّفة والإرهابيّة ، التي تُريد العودة بالناس إلى القرون الوسطى ، مما جعل الوقوف في وجهها وكبح جماحها ضرورة حاسمة ، للحفاظ على الكرامة الإنسانية .
  • “الوثيقة” ، كما أعلن موقّعاها ، هي ” دعوة للمصالحة والتآخي بين جميع المؤمنين بالأديان ، بل بين المؤمنين وغير المؤمنين، وكل الأشخاص ذوي الإرادة الصالحة ، ورمز للعناق بين الشرق والغرب ، والشمال والجنوب ، وبين كل من يُؤمن بأن الله خلقنا لنتعاون ونتعارف ونتعايش كأخوة ، مُتحابين ، على أمل “الوصول إلى سلام عالمي ، ينعم به الجميع في هذه الحياة” .
  • من منطلق أهميتها ، رأى إليها د. إدغار طرابلسي أنها كواحدة، من أبرز ثمانية مواثيق في تاريخ الحضارة الإنسانية ، وهي على التوالي : ميثاق إبراهيم وأبيمالك / إعلان ميلان في العام 313 م / إعلان ال Magna Carta 1215 م / إعلان نانت 1598 م / إعلان فرساي / إعلان حقوق الإنسان والمواطن 1789 / الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948 / إعلان فيينا 1993 . وكأن هذه “الوثيقة” بحسب د. طرابلسي ، هي آخر محطّة في خط سير قطارانسانوي ، انطلق منذ بضعة آلاف من السنين وحتى يومنا هذا .
  • “الوثيقة” مشروع للأديان ، كي تصبح قنوات للأخوّة من خلال المواطنيّة ، بدل أن تكون حواجز للافتراق .
  • “الوثيقة” تُشكِّل خطوة مهمة ، في طريق تحرير المؤمن من الفهم الخاطئ للدين وعلاقته بالدولة ، وأبرز أسباب ذلك: التوظيف السياسي للدين ، وهيمنة أنصاف المتعلمين في صفوف رجال الدين ، والحضور الهائل للماضي وتحكُّمُهُ بمسار الحاضر ، وتعدُّد قراءات النصوص المقدّسة وعدم تجديد هذه القراءات .
  • “الوثيقة” جهدت في حلّ العلاقة بين الدين والدولة ، وهي من المسائل المثيرة للجدل ، والتي لم يصل حلُّها إلى درجة الحسم، حتى في الدول العلمانية ، التي ارتكز فيها بناء الدولة على قاعدة الفصل بين الدين والدولة .
  • المشترك ، الذي يجمع بين الدين والدولة ، هو الإنسان . ولا يمكن الفصل بينهما إطلاقًا . فحاجةُ الإنسان إلى الدين ، كحاجتِهِ إلى الدولة ، وكلاهما (الدين والدولة) يتحكّمان بمسيرة الإنسان ويُشكِّلان بناءه الأخلاقي ونظرته إلى الحياة والكون والبيئة المحيطة به .
  • إن تلبُّد الفضاء العمومي بالخلافات لا يعود إلى طبيعة الأديان، بقدر ما هو عائدٌ إلى الصراعات القومية الإثنية وسواها ، التي ترى في النصوص الدينية مطيَّةً نموذجيةً لتحقيق أهدافها .
  • إن “الوثيقة” لا تدخل في العقيدة، وإنما تتحمَّل المسؤولية تُجاه الإنسان “تبني ثقافة الحوار دربًا ، والتعاون المشترك سبيلاً ، والتعارف المتبادل نهجًا وطريقًا ” . وهي محطة أساسية ، في مسار الحوار الإسلامي المسيحي ، هو حوار الحياة ، لمواجهة مشاكل الحياة ، على أساس الخُلُقيَّة الدينية ، مسيحيًّا وإسلاميًّا .
  • “الوثيقة” تتوجَّهُ برسالة إلى المتعصّبين ، فتقول : التعصّب يُفضي إلى الحرب والعنف والإرهاب / الإنسان ، سواءٌ أكان مؤمنًا أو غير مؤمن ، هو قيمةٌ بذاته / لذا فإن المؤمنين أخوة/ اللهُ واحدٌ للجميع ، وإن اختلفت الطرق إليه / الله يفصل بين المؤمنين وغير المؤمنين ، يوم القيامة .
  • “الوثيقة تتوجَّهُ برسالة إلى العلمانيين ، فتقول : عندما لا تتحوّل العلمانية إلى عقيدة أو إيديولوجيا ، وتحمل حقيقتها المطلقة ، تصبح لك الحرية في أن يكون لك عقيدة وإيديولوجيا . بل تغدو الضامن الوحيد لوجود الدين في المجتمع ، ولحريّة المعتقد والتديُّن وحرية الضمير .
  • “الوثيقة” تتوجّهُ برسالة إلى الديمقراطية ، من حيثُ طرفاها ، المواطنية والدين ، فتقول : إن المواطنية تجمع بين الفضاء العمومي (المجتمع) ، على مستوى التفاعل والحوار الديمقراطي ، بين الأفكار والآراء المختلفة ، حيث تكون كلمة الدين مسموعة ، أسوَةً بغيرها من مرجعيات الكلام . كما تقول إن الديمقراطية هي الضامن الوحيد لوجود الدين ، في المجتمع الديمقراطي ، ولسماع صوت الدين ، لدى متّخذي القرار في هذا النظام ، وذلك بفضل التربية والعدل ، اللذين هما جناحان للسلام .
  • إذْ يُقارب مؤتمرنا ، في أحد محاوره ، “مراد المتكلّم” – أي الله – في المجتمع السياسي ، فإنّما تروح المقاربة بالضرورة إلى اللاهوت المسيحي ، الذي يذهب إلى أن السياسة لم تدخل إلى أرض الناس من العدم ، بل هي في صُلب المشروع الإلهي. وكذا الأمر لدى المسلمين ، إذ أن الإسلام ، وفق المفهوم التقليدي ، دينٌ ودولة . وإلى ذلك ، ومن منظور إسلامي ، فإن الله استخلف آدم على الأرض ، وفي الاستخلاف من أمر السياسة ما فيه : “إنّي جاعلٌ في الأرض خليفة” (سورة البقرة : 30) .
  • إن مُقاربة أطروحة “مُراد المتكلِّم” ، في “الوثيقة” ، أو عبرها ، ستأخذ الباحث ، فيما تأخذه ، إلى مَثَلْ “السامري الصالح” الذي يُستفاد منه ، من خلال إجابة يسوع عن سؤال : من هو قريبي؟”، أنّ يسوعًا يحثُّ تلاميذه على الخروج من الشرنقة اليهودية في فلسطين ، كي يذهبوا إلى أقاصي الأرض، حيث سيتعرّفون على “الآخر” و”الغير” واختبار الاختلاف ، مع جميع الأقوام والطبقات الاجتماعية . ناهيك عن تقليص الفوارق بين الأعداء والأصدقاء .
  • تُساهم المواطنيّة ، المبنيّة على مبدأ الوحدة في الاختلاف ، بتعزيز الانتقال ، بنسب مُتفاوتة ، من النجاح ، من الهويّات القاتلة إلى الهوّيات المتصالحة ، وإن اتسمت عملية الانتقال بصعوبة بالغة .
  • في إطار قراءة النصوص الدينية ، لربما كان تفسير النص الديني ، في البيئة الإسلامية ، هو الأشدُّ صعوبةً ، لارتكازه على عقيدة التنزيل الإلهي . هذا من جهة ، وللعلاقة التي تربط النص الديني المقدّس بالسلطة السياسية القائمة من جهة أخرى.
  • استكمالاً ، فإن النصوص الدينية التأسيسية ، التي تستند إليها الحركات الإسلامية المتطرّفة ، كما الفتاوى القديمة ، كتبت في ظروف استثنائية وضاغطة على العالم الإسلامي (حروب الفرنجة – الغزو المغولي) . من هنا يجب وضع هذه الفتاوى والنصوص وقراءتها في سياقاتها التاريخية . وعن آية السيف على سبيل المثال ، والتي تتخيّرها هذه الحركات المتطرفة ، فهي تُشير إلى فترة زمنية محدّدة ، وتحديدًا إلى الوثنيين العرب، الذين انتهكوا معاهدات السلام بينهم وبين المسلمين ، وبدأوا بشنّ حرب ضد المسلمين ، وعليه لا يمكن أخذ هذه الآية (سورة التوبة) على إطلاقها .
  • إنّ الحرية لا تُمارس ، نهاية المطاف ، إلا في إطار خيارات مُتعدّدة ، وعليه ، لا تؤدّي أحاديّة الثقافة إلاّ إلى ضمور الفكر واختناقِهِ تدريجيًّا .
  • إنّ التنوّع هو النسيج الأساسي للوجود ، والسبيل الأوحد نحو الحياة والسلام . علمًا أن إلغاء التمايز هو عملٌ من أعمال العنف ، يتعارض والمبادئ الناظمة للحياة في المجتمع .
  • إن المجتمع المتنوِّع ، دينيًّا أو عرقيًّا أو إثنيًّا أو لغويًّا ، هو المجتمع النموذجي الذي نختبر فيه التسامح ، ونكتشف الحاجة إليه ، من أجل استدامة الحياة والعيش المشترك .
  • استكمالاً ، في هذا المجال ، نقتطف من كلمة فخامة الرئيس ميشال عون ، في الجمعية العامة للأمم المتحدة ، بدورتها السابعة (2018) : “… إن لبنان ، بمجتمعه التعدّدي ، الذي يعيش فيه المسيحيون والمسلمون معًا ، ويتشاركون الحكم والإدارة، وبما يختزن من خبرات أبنائه المنتشرين في كل بقاع الأرض ، وبما يُشكِّل من عُصارة حضارات وثقافات عاشها على مرّ العصور ، يُعتبرُ نموذجًا لتأسيس أكاديمية دولية لنشر هذه القِيم ، أكاديمية الإنسان للتلاقي والحوار ” .
  • لم تكن التغطية الإعلامية عربيًّا ، التي خطيت بها “الوثيقة” استثناءً عن مألوف الصورة النمطية للوكالات إلاّ في حالات محصورة بمقالات الرأي . فوثيقة بهذا الحجم ، لم تحظَ ، حتى بعناوين مُبدعة ، في التغطية .
  • وحدَها ، صحافةُ دولة الإمارات العربية المتحدة تمّ الإيعاز لأجهزتها الإعلامية ، بتظهير الحدث ، بِصيغ إبداعية متنوّعة ، وذلك لإبراز النظام الحاكم رائدًا في مجال التسامح الأممي .
  • من أبو ظبي ، حيث تمَّ توقيع “الوثيقة” انبعثت فكرة تشييد بناء حضاري ، “البيت الإبراهيمي” حيث يجمع القيم الدينية لليهودية والمسيحية والإسلام ، من أجل التعاون والتفاهم وتقبّل الآخر المختلف ، والتركيز على القيم المشتركة بين هذه الأديان ، من دون التنكّر لخصائص كل دين . وقد كانت هذه المسألة موضع تساؤل ، إلى حدّ الارتياب ، إذْ أن الإمارات وبعض دول الخليج ، راحت ، منذ منتصف 2021 ، إلى تطبيع العلاقة مع إسرائيل . إشارةٌ ، وبإزاء هذه الإشكالية ، يرى البعض أن “الوثيقة” المتمأسسة على الأخوة الإنسانية . هي أبعد مدىً من إبراهيم ، وتتجاوز محدوديته ، واستطرادًا تتجاوز “اتفاقيات أبراهام” ! .
  • بعد ثلاث سنوات ونصف ، على توقيع “الوثيقة” وعلى رُغم إنجاز بعض الخطوات شبه العملية ، في ترجمتها واقعًا ملموسًا، فهي (أي الوثيقة) ما زالت تبحث عن أقدام لتعبر بواسطتها إل ميدان التطبيق ، وتغيير السلوك ولفهم أفضل للذات ، كما للنفس البشرية .

خامسًا : في جلاء إشكالية التسامح :

“في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان” ، تَرِدُ كلمة “التسامح” ، مرة واحدة (المادة 26 – الفقرة الثانية) . ونظرًا إلى المضامين السيئة التي ينطوي عليها ، كان لزامًا على الأونيسكو أن تُصدر وثيقة دولية ، تحت عنوان :”إعلان المبادئ في التسامح” (16 تشرين الثاني 1995) ، شدّدت فيه على أن التسامح هو احترامٌ غير منقوص لحقوق الإنسان بكاملها ن وبالأخص حقه في الاختلاف .

  • علمًا أن التسامح tolérance استُخدم بالمعنى السياسي فقط ، بعد الحروب الدينية التي شهدتها أوروبا ، في القرنين السادس عشر والسابع عشر .
  • من منظور لغوي- عربيًّا – ووفق “لسان العرب” ، فإن التسامح يعني الصفح والعفو والإحسان ، بما يعني أن مفهوم التسامح يتضمّن تنازلاً من قبل المتسامح لقبول الاختلاف . لذلك كان هذا المعنى القديم للتسامح مناقضًا للحرية .
  • ومن زاوية فلسفية ، فإن التسامح يُشكِّل مسًّا قاسيًا بحقوق الإنسان الطبيعية والأساسية . فالمتسامح هو المقتدر الذي يتحمّل على مضض وجود الآخر المختلف والمستضعف ، ويسمح له بالبقاء معه ، لا كشريك متساوٍ في الحقوق والواجبات ، بل كإنسان ينتهي طموحه عند سقف الاستمرار في الحياة ليس إلاّ .
  • ومن منظور ديني ، فإن المتسامح هو الذي يغفر للآخر المختلف ، كونه من دين آخر ، ومن ثقافة مغايرة ، ويجود عليه بالإذن له بالبقاء ، في المجتمع ذاته .
  • من مقلب آخر ، وحيال قبول التنوّع الثقافي والديني ، عند البعض وعدم القبول به عند البعض الآخر . بسبب تفاقم التشدّد والتعصّب واستفحال الحركات التكفيرية والإرهاب ، غدت مسألة التسامح ، باعتبارها حلاًّ يحظى بإجماع كوني ، تمامًا مثل الديمقراطية والحرية ، مسألة راهنة ، تفرض نفسها على الجميع .
  • الفيلسوف Piere Bayle يُركّز على مبدأ التسامح الفلسفي ، باعتباره أهم شرط من شروط الأمن الاجتماعي والتعايش السلمي . وفي العام 1686 ، كان للفيلسوف جون لوك ان يُصدر كتابه الشهير “رسالة في التسامح” .
  • غدا التسامح اليوم من بين أهم الفضائل والقيم الإيجابية في العالم ، وذلك عبر كتابات المتفلسفين المعاصرين . فالحداثة قد جعلت من التسامح “خيرًا مطلقًا ” . ولكن هل يكفي التسامح لضمان رفاه الإنسان المعاصر ؟ أليس من الضروري تدعيم قيم الاعتراف والتآزر لكي يتحقّق التسامح الحقيقي ؟
  • يفترض التسامح تخلِّيا عن النظرة الأحادية ، التي يمكن للفرد أو للجماعة أن تحافظ عليها . وهي قبول بوجود آخر ، له الحق في الوجود الفعلي والقانوني . فالتعايش لا يعني اقتسام مصير ، بل هو اعتراف أدنى ، بوجود مصلحة مشتركة بيننا .

 

سادسًا : في المقترحات والتوصيات

  • “الوثيقة ، على عِظم ما تضمّنت من رؤى وتوجُّهات وتوجيهات، لن تأخذ مداها ، وتحقّق استهدافاتها ، ما لم يتم تسييلُها واقعًا معيشًا ، بين أتباع الديانتين المسيحية والإسلامية.
  • تبنِّي ما طلع به إمام الجامع الأزهر د. أحمد الطيّب ، في توجهه إلى شباب العالم : “أقولُ لشباب العالم ، في الغرب والشرق (..) عليكم أن تجعلوا من هذه الوثيقة دستور مبادئ لحياتكم . إجعلوا منها ضمانًا لمستقبل خالٍٍ من الصراع ، إجعلوا منها نهاية لكراهية (..) علّموا أبناءكم هذه “الوثيقة” ، فهي امتدادٌ لوثيقة المدينة ولموعظة الجبل ! ..
  • ينبغي تبنِّي الدعوة المشتركة ، التي توجّه بها قداسة البابا والإمام الطيّب ، بشأن جعل الوثيقة في خضمّ المسار التربوي التعليمي : “فتغدو موضع بحث وتأمل ، في جميع المدارس والجامعات والمعاهد التعليمية والتربوية ، كي تساعد على خلق أجيال جديدة ، تُدافع عن حق المقهورين والمظلومين والبؤساء، في كل مكان “.
  • على المستوى اللبناني، وفي الإطار التربوي ، ينبغي توزيع عناصر “الوثيقة” ، على عدة مواد دراسية . ويصحّ أن يكون ذلك في مواد الدراسات الاجتماعية ، والتربية الدينية ، والفلسفة واللغات . أو أن يتمّ ضمُّها إلى مادة التربية الدينية .
  • استكمالاً ، إذا لم تُبادر وزارة التربية و”المركز التربوي” لدينا ، إلى ضمّ هذه الوثيقة ” إلى المناهج، تستطيع المدارس الخاصة أن تضمّها إلى مناهجها ، فالقوانين ، مرعية الإجراء تُعطيها الحرية ، في هذا المجال . وفي مطلق الأحوال يجب الابتعاد عن عملية التلقين في تدريس محتوى “الوثيقة” .
  • في استجابة لهذا المقترح ، عَرَض القيِّم البطريركي العام لطائفة الروم الملكيين الكاثوليك ، المهندس أنطوان شار وضع مدارس “البطريركية الثلاث (في بيروت ورياق والربوة) لخوض هذه التجربة – المبادرة ، فوافقه د. نمر فريحة ، وأبدى كامل استعداده لتولّي إدخال مواد “الوثيقة” في منهاج هذه المدارس ، مع مواكبة التنفيذ ، وذلك تطوّعًا .
  • أوصى المشاركون بعقد ورشة عمل حول كيفية إدخال “الوثيقة” في المناهج التربوية ، بالنسبة لمرحلة التعليم ما قبل الجامعي والتعليم الجامعي .
  • يجب تحويل “الوثيقة” إلى برنامج ، فتكون سلسلة مؤتمرات ، بهمّة رسولية وأزهرية ، على غرار مؤتمرنا اليوم . وعلى أن يكون توجُّه إلى “المركز الكاثوليكي للإعلام ” ، بالتعاون مع الأزهر الشريف ، لتنكُّب هذه المهمة ، والإفادة من خبرات الجامعات والأكاديميين ، طالما أن الوثيقة لا تستثني أحدًا من النُخب الفكرية والثقافية والاجتماعية ، لجهة الدور الذي يمكن أن يؤدوه في تفعيلها .
  • على الحكومات والمجتمعات المحافظة على التعدّدية الثقافية والدينية والإثنية واللغوية ، كونها تعكس المعنى الفكري وقيم الحرية والتآخي والحياة السعيدة ، عبر أطروحة التآلف في الاختلاف .
  • إذا كان الخطر الأكبر ، في ظل العولمة ، يكمن في المعايرة (standartisation ) اللاغية للفروقات ، وبما تُفضي إلى اعتقال الحرية في زنزانات الإيديولوجيات القاتلة ، فإنه ينبغي مُجانبة الأحادية الثقافية والدينية واللغوية ، التي تؤدي إلى ضمور الفكر وتجفيف موارد الحياة .
  • لا بُدّ للكلمة أن تتجاوز هزيمتها ، وتستعيد بالكامل وظيفتها السامية ، كأداة أساسية ووحيدة ، للتواصل بين البشر العقلاء ، لكي يسيروا معًا ، نحو مجتمع تعيش فيه البشرية حضارة الودّ والتحابّ والتآخي والسلام ، بعد مصالحتها مع ذاتها ، في تناغم الأضداد .
  • لما كان القول في التسامح هو قولٌ فلسفي ، طوّره الفلاسفة ، زمن الحروب والأزمات ، ففي ظل واقعنا المأزوم ، على مستوى البشرية ، من الضروري أن يضطلع المتفلسفة بدورهم البيداغوجي في نشر قيم التسامح ، عبر اقتحام مختلف وسائل الإعلام . والتخلّي عن الترفّع الأكاديمي .
  • إن المآسي التي لا يزال العالم العربي والإسلامي يعيشها ، بطائفيتِهِ البغيضة ، ولاتسامحه الرهيب ، ناتجةٌ عن غياب الفلسفة في الثقافة ، بشتى مدارسها ، من العقلانية ، إلى المادية والريبيّة والروحانية والتأويلية والهرمنتوطيقية .
  • لا يمكن فهم قضايا الدين ولا تأويل نصوصه تأويلاً برهانيًّا إلا شريطة توفُّر فلسفة حقيقية . فالفلسفة ضرورية للاهوت ، تمدّه بالروح النقدية والبرهانية . لذلك على اللاهوتيين أن يتفلسفوا وعلى الفلاسفة أن يكونوا لاهوتيين ، عساهم يمدّون الدين بفلسفة رشيدة ، تتصالح مع العقلانية ، وتحقّق الفضيلة .
  • كون “الوثيقة ” تفتح الباب مشرّعًا على سائر الأديان والعقائد ، وغدت بذلك مُلك البشرية جمعاء ، وليس مُل الكاثولوكية والعالم السُنِّي الإسلامي ، ينبغي على راعييها الدعوة للإنضمام إليها والتوقيع عليها ، بما يُشكّل إعلانًا مشتركًا عن نوايا صالحة . وفي هذا المجال يُسجّل لقداسة البابا زيارته للنجف الأشرف ، بعد إطلاق ” الوثيقة” ، والتقاؤه مع المرجع الشيعي آية الله علي السيستاني ، مما يؤشِّر على النية في توسيع إطار هذه الوثيقة”.
  • إذا كانت الأديان ، في جوهرها ، تشجب العنف وإراقة الدماء وتنبذ كل كراهية وتعصّب، فإن الخلل ليس في نصوصها ، بل في طريقة قراءة هذه النصوص وفهمها . وعليه ينبغي إعادة النظر في هذه المسألة ، حتى لا يقع المؤمنون ضحايا تأويلات تعمل على توظيف الشعور الديني ،لخدمة كل ما ليس له علاقة بصحيح الدين .
  • على علماء المسلمين وعلماء سائر الأديان إقرار تفسيرات واحدة للنصوص الدينية ، تتناسب مع زماننا ، فالتأويلات الماضية لها زمانها . ونحن بحاجة إلى تأويلات لبناء الدولة المدنية الحديثة .
  • إن الكنيسة بحاجة إلى لاهوتيين من غير الكهنة ، لنشر رسالة الكنيسة ، عبر تجديد الخطاب الديني .
  • إن قيام الديمقراطية ، في مجتمعاتنا العربية ، مشروطٌ بالتعليم الديني ، وفق ما تنصّ عليه “الوثيقة” ، وبعد ذلك لن تقوم لهذه المجتمعات قائمة . بل نكون بإزاء تعايش سلمي ، يتجَّدد تكرارًا ، بعد حروب داخلية لن تنتهي وانقسامات مستمرة .
  • المطلوب قيادة معركة وعي ، معطوفة على معركة أدوات ، لتظهير “الوثيقة” وما سوى “الوثيقة ” ، وأقلّ إيمان التسويق ، هو في إطار ما يُعرف راهنًا “التسويق الاجتماعي ” (السوشيل ماركتنغ ) .
  • دعوة المركز الكاثوليكي للإعلام ” ، بالتعاون مع “مركز تموز” وأرض المبدعين” ، وجامعات مرموقة ، في لبنان والعالم ، لإعادة إحياء “الوثيقة ” ، وبالتالي تقديم مادة إعلامية راقية واستراتيجية إلى الرأي العام وصُنّاع القرار .
  • إحياءً للمئوية الثانية لميلاد الأديب النهضوي المعلم بطرس البستاني (المولود في العام 1819) ، بما قدّم من أفكار حداثية، وما نمَّ عن نزوع غير طائفي ، أوصى المؤتمرون بإجراء مسابقة مدرسية تحت عنوان ، اشتُهر به : الدين لله والوطن للجميع” ، وعلى أن يتكفّل بالمسألة “مركز تموز” بالتعاون مع مؤسسة “أرض المبدعين ” .
  • بدعم من القيم البطريركي العام ، قرّر المؤتمرون الإطلال بالبيان الختامي – وهو بمنزلة وثيقة مرجعية – عبر مؤتمر صحفي ، وتشكيل “لجنة متابعة” ترفع رؤى هذا البيان وتوصياته إلى المرجعيات ذات الصلة ، وإلى سائر المهتمين .
Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *