“الشَّمْسُ الْغَاضِبَةُ”
د. محمد نعيم بربر
لِلشَّمْسِ أَروِي قِصَّتِي، أَحكِي لَهَا
ظُلْمَ النُّجُومِ، وَجَفْوَةَ الأَقْمَارِ
أَشكُو لَهَا حُرَقَ الْجَوَى وَضِرَامَهُ
وَصُدُودَ أَهْلِ الْعِشقِ وَالسُّمَّارِ
أَحْتَجُّ فَوقَ مَنَابرِي، خَلْفَ الْمَدَى
مِلْءَ الصَّدَى، وَحَنَاجِرِ الشُعَّارِ
أَصْبُو لَهَا فَتَصُدُّنِي، أَدْنُو لَهَا
فَتُزِيحُنِي عَنْهَا لِخَطِّ مَدَارِي
أَشْتَاقُهَا، فَتَلُفُّنِي بِلَهِيْبِهَا
وَأَخَافُهَا فَتَرُشُّنِي بِالنَّارِ
عَجَبًا لَهَا مَا كُنْتُ أَحسِبُ أَنَّنِي
سَأَكُونُ فِي دَارِي غَرِيْبَ الدَّارِ
فَتَقُولُ: أَنْتُمْ مَعْشَرَ الشُعَّارِ
كَمْ شَوَّهَتْ أَشعَارُكُم أَخْبَاري
فَأَنَا الْحَيَاةُ لأَرضِكُم وَفَضَائِكُمْ
مُنْذُ الْخَلِيقَةُ، مَنْبَعُ الأَسرَارِ
وَأَنَا الرَّجَاءُ لِجِنْسِكُم وَوُجُودِكُم
مُذْ قَدَّرَ اللهُ الْعَظِيمُ الْبَارِي
أَلْكُلُّ يَركُضُ لاهِثًا خَلْفَ اللَّظَى
وَيَعُودُ مُندَثِرًا، بِلَونِ غُبَارِي
هَلاَّ نَسِيتُم طَلْعَتِي وَمَهَابَتِي
فِي مَوكِبِ الأَفلاكِ وَالأَنوَارِ
تَسْتَطْيِبُونَ السَّيرَ خَلْفَ مَوَاكِبِي
وَلَكُم جَسَارةُ مَاكِرٍ غَدَّارِ
حَتَّى إِذَا أَخفَيتُ تَحتَ عَبَاءتِي
جَسَدِي لأَسْتَرخِي بِجِسمِي الْعَارِي
وَكُسِفتُ عَنْ خَفَرٍ أُكَحِّلُ مُقلَتِي
وَأُزِيحُ عَنْ وَجْهِي الْبَهِيِّ خِمَارِي
شَرَدَتْ عُيُونُكُمُ لِبَدْرٍ طَالِعٍ
أَو نَجمَةٍ سَطَعَت مَعَ الأَسحَارِ
فَتُهَروِلُونَ إِلَى الْبُغَاثِ بِشِعرِكُم (1)
كَمْ مِنْ شُعُورٍ مَاتَ فِي الأشْعَارِ
تَسْتَبْدِلُوْنَ عَنَادِلًا وَحَمَائِمًا
بِنَقِيقِ ضَفْدَعَةٍ وَصَوتِ حِمَارِ
وَتُصَفِّقُونَ ظُلامَةً وَجَهَالَةً
لِلدِّيكِ فَوقَ مَزَابِلِ الأَقْذَارِ
تَتَثَاءَبُونَ كَقِطَّةٍ مَخْبُولَةٍ
نَشَبَتْ مَخَالِبَهَا لِرُؤيَةِ فَارِ
تَسْتَطْيِبُونَ النَّومَ فِي أَحْلامِكُم
كَثَعَالِبٍ تَنْسَلُّ فِي الأَوكَارِ
وَتُغَازِلُونَ اللَّيلَ فِي غِربَانِكُم
شَتَّانَ بَينَ نَعِيقِكُم وَكَنَارِي
وَإِذَا اسْتَزَدْتُمْ خِفَّةً وَوَضَاعَةً
فِي إِفْكِكُمْ، لِتُحَطِّمُوا أَسْوَارِي
أَفَلَتْ بِكُمْ نَحوَ الْمَغِيبِ وُجُوهُكُم
تَتَزَاحَمُونَ عَلَى رَمَادِ جِمَارِي
تَبًّا لَكُم مِنْ مَعشرٍ أَشرَارِ
عَمِيتْ عُيُونُكُمُ بِضَوْءِ نَهَارِي
أَلْيَومَ تَحكُمُ بَيْنَنَا أَخبَارُكُم
تِلكُمْ إِدَانَتُكُم بِوَصْمَةِ عَارِ
تَشكُونَ لِي مِنْ جَفْوَةِ الأَقمَارِ
سُحْقًا لَكُم فِي جَنَّةٍ أَو نَارِ
مَا هَذِهِ الأَقْمَارُ إِلاَّ وَمضَةٌ
مِنْ ظِلِّ أَطيَافِي وَلَونِ نُضَارِي
سَأُبَدِّلُ الأَفْلاكَ فَوقَ رُؤوسِكُمْ
أَلْيَومَ مَوعِدُكُمْ لأَخْذِ الثَّارِ
سَأَزَيدُ مِن لَهَبِي عَلَى أَقْمَارِكُم
وَأَصُبُّ مِنْ حُمَمِي وَهَوْلِ دَمَاري
وَأرُشُّ مِنْ شُهُبِي وَعُنْفِ صَوَاعِقِي
غَسَقا يُحِيْطُ بِكُلِّ نَجْمٍ سَارِ
سَأُذِيْقُكُمْ سُوْءَ الْعَذَابِ بِظُلْمِكُم
وَجُحُودِكُم يَا مَعْشَرَ الأشْرَارِ
سَأُعِيْدُكُم لِجُحُورِكُم وَظَلامِكُم
إنِّي سَأُعْلِنُ ثَوْرَةَ الثوَّارِ
إِنْ كَانَ هَذَا الظُلْمُ بَعْضَ قَرَارِكُم
فَأَنَا الْجَحِيمُ لَكُم، وَهَذَا قَرَارِي!!
***
(1) الْبُغَاث : طَائِر أغبراللَّون، فيه بُقَع بِيْض وسُوْد، بَطِيء الطَّيَرانِ . والمعنى هُنَا : كُلُّ مَا هو رَدِيء . وفي الْمَثَلِ: “إنَّ الْبُغَاثَ بِأرْضِنَا يَسْتَنْسِرُ” .