سجلوا عندكم

(. ، ؛ ” ” ؟ ! ) .. أيٌّ من هؤلاء تشبه؟

Views: 725

د. بسام بلان

عندما قدمت “البروفة” الأولى من مشروع  تخرجي من الجامعة للدكتور أديب خضور المُشرف على البحث، كان ذلك مناسبة لأتلقى أعنف الدروس بسبب جهلي في استخدام علامات الترقيم؛ بخاصة الفاصلة منها والفاصلة المنقوطة، لأن استخدام النقطة في نهاية الكلام كان تحصيل حاصل، وكذلك علامة الاستفهام والتعجب والأقواس.. وغيرها.

قال لي حينها، بحثك من أجمل البحوث التي مرّت عليّ خلال السنوات الخمس الماضية لجهة المعلومات وإسلوب تحليلها الذكي، ولكن للأسف مضطر أن أوصي اللجنة أثناء مناقشة البحث، ليتم حذف ما لايقل عن 10 درجات بسبب جهلك في استخدام الفاصلة والفاصلة المنقوطة، وإكثارك من وضع النقاط على السطر في نهاية بعض الجمل، متشبهاً ببعض المستشعرين “الشعراء” الذين تمتلئ سطورهم بهذه النقاط. لذلك خذ بحثك وسأمهلك ثلاثة أيام لتصحيح هذا الخلل، وبعدها أرى أي توصية سأقدمها للجنة.

كلام الدكتور نزل على رأسي كالصاعقة، وعدته خيراً وغادرت مكتبه. توجهت الى أقرب مكتبة للبحث عن أي مرجع صغير أتعلم منه، فحينها لم يكن “غوغل” في متناول أيدينا مثلما هو اليوم. وأذكر أنني حصلت على كُتيب تعليمي مبسط، يحوي المعلومات التي أريدها.

لم أنتظر كي أعود للبيت وأقرأ فيه، بل بدأت وأنا أستقل باص النقل الداخلي في طريق العودة.

……..

………..

علامات الترقيم هي، بلاشك، لغة لاتستقيم الكتابة ولاتُفهم بدونها، فضلاً عن كونها، بالنسبة للنص، أشبه بالديكور بالنسبة للمنزل.

ثمة قاعدة يعرفها جيداً مهندسو الديكور عند البدء بعملهم، تقوم على تقسيم المنزل الى كتل أو مساحات مستقلة، ويصممون لكل واحدة من هذه المساحات أو الكتل تصميماً خاصاً به. وبعد ذلك يقومون بالربط بينها كي تبدو وكأنها روح واحدة وكتلة واحدة. وبذلك تمام عملهم وفنهم، وأيضاً تميز أحدهم عن الآخر.

……….

…………..

لغوياً، تُعرّف علامات الترقيم بأنّها رموز ذات معنى اصطلاحي يتم وضعها بين الجمل والكلمات لتوضيح أماكن الابتداء أو الوقوف أو الفصل وغيرها من الأمورالضرورية للغة العربية، وذلك بهدف تسهيل عملية الفهم والاستيعاب عند القارئ والكاتب في وقتٍ واحد، وقد شاع استخدامهامنذ القديم بين الكتاب. وبشكل خاص ظهرت علامات الترقيم قبل أكثر من  مئة عام، وذلك بعد أن قام أحمد باشا بنقلها عن اللغات الأخرى.

……..

…………

علامات الترقيم بعد تجربتي مع الدكتور أديب خضور، والتي اجتزتها بنجاح ولله الحمد، تخطت علاقتي بها المطلوب منها، وصرت أتعامل معها كما البشر.. واسقطها على البشر.. وأسقط البشر عليها.

موقع بعض الناس بالنسبة إلينا كموقع  “النقطة”. يُتممون كل المعنى بمجرد الوصول إليها.

بعضهم الآخر مثل الفاصلة، يعطون مفتاحاً أولياً للمعنى، ولكن لابد من اتمام ما بعدها كي تفهم.

وآخرون مثل الفاصلة المنقوطة، التي يوحي شكلها أصلاً بأن “نزف” الرأس مستمر.. وموقعهم بين جملة السبب وجملة النتيجة. أو عندما يُستبدل بها حرف العطف.

أما الاستفهام والتعجب، فلا داعٍ هنا للإطالة فيهما، مع أن أشباههما من البشر على مَدِّ البصر، سواء للاستفهام أو التعجب سلباً.. أو للاستفهام أو التعجب إيجاباً.

وهناك نوع من البشر مثل القوسين الهلاليين، اللذين يستخدمان عند كتابة الكلام “غير الأساسي في النص”.. مثل كتابة كلمة بديلة داخلهما الى جانب كلمة مذكورة أصلاً.

وبعض البشر يشبهون علامات التنصيص، التي تستخدم عند كتابة العبارات التي تم اقتباسها من كلام أناس آخرين، وذلك بهدف التفرقة والتمييز بين الكلام المقتبس وبين كلام كاتب النص. وإن كانت علامة التنصيص رائعة بمدلولاتها، إلاّ أن أشباهها من البشر غالباً هم من المُدعين، الذين يحملون عقليات وفكر وكلام وأحياناً حركات أناس آخرين، يستقيم فيهم ما قاله إبن خلدون عن الضعفاء عندما يقلدون الأقوياء، أو الذين يشعرون بالنقص فيقومون بتقليد الآخرين لتعويض نقصهم.

شخصياً، يزعجني وجود علامة التنصيص في النص، فهي تضطرني لقراءة ما بداخلها، وتقطع لحظة تركيزي وانسجامي في الفكرة الأساسية. وكذلك البشر من أشباهها.

…….

………..

أجمل الناس، من يُنجزون بوجوهم كل المعاني. (النقطة)

أرقى الناس، من يختصرون السبب والنتيجة. (فاصلة منقوطة).

أنفع الناس، من يفتحون باباً واسعاً لأسئلة لاتنتهي، معرفية ورحانية وشعورية وحسيّة.(الإستفهام).

أما التعجب، فهو فضاء مفتوح لا باب ولاقفل له. ولاقيمة للعيش بدونه.

أقواس الهوامش يرى الكتّاب المحترفون أن أفضل مكان لها هو باب يخصصونه لها في آخر الكتاب.. أو تحت الخط أسفل الصفحة في جزيرة معزولة.

ليبقى أن الفاصلة هي لحظة لابد منها لإلتقاط النَفَس أو الإستراحة.. أو النهاية غير النهائية، التي غالباً ما تكون بداية لما هو  أوسع أو أعمق وأشمل.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *