النظام القضائي في لبنان… تحدّيات وعقبات كبيرة

Views: 574

ألعميد الركن صلاح جانبين

القضاء في اللغة مأخوذ من قضى، ويقضي، وقضية، ويُقصد به الحكم بالقضايا العالقة والبّت والفصل بها بين المتنازعين أو المتخاصمين أو المخالفين والمختلفين في الأمور والآراء والتفسيرات، وقمع المجرمين، وإرجاع الحقوق إلى أصحابها؛ وهي بذلك السلطة القضائيّة المتمثِّلة بالقضاة وأعمالهم وأدائهم؛ 

والقضاء هو مجموعة من القواعد القانونيّة التي يتم استخلاصها من الأحكام الصادرة من المحكمة. وهو نظام الحكم في الدولة، وقد نصّت المادة 20 من الدستور اللبناني، بأنَّ “السلطة القضائیة تتولاها المحاكم على اختلاف درجاتها واختصاصاتها ضمن نظام ینصّ علیه القانون ویحفظ بموجبه للقضاة والمتقاضین الضمانات اللازمة. أما شروط الضمانة القضائیة وحدودها فیعینها القانون. والقضاة مستقلون في إجراء وظیفتهم وتصدر القرارات والأحكام من قبل كل المحاكم وتنفذ باسم الشعب اللبناني”. كما يجب على جميع الأفراد والهيئات المجتمعية والمؤسّسات الحكومية وغيرها من المؤسّسات في الدولة احترام ومراعاة استقلال السلطة القضائية. ويرتكز النظام القانوني في لبنان على مزيج من المبادئ القانونية المستمدّة من القانون المدني والإسلامي والعثماني، وعلى قوانين السلطة التشريعية اللبنانية، حيث تتحكّم فيه سلسلة من القواعد القانونية المتخصّصة التي تشمل: قانون الموجبات والعقود، المصدر الأساسي للقانون المدني، كما على أصول المحاكمات المدنية، قانون التجارة، قانون العقوبات وأصول المحاكمات الجزائية. فكيف تتحقّق العدالة وماهية القضاء العادل النزيه؟ وكيف تكون السلطة القضائية في لبنان مستقلّة؟

 

 استقلالية القُضاة وصفات القاضي العادل 

القاضي هو من يحقق العدالة في الأرض، وهو المسؤول عن تفسير وتطبيق القانون واتخاذ القرارات من المسائل المطروحة على أساس الوقائع وفقًا للقانون وباستقلالية تامة، من دون أية تقييدات أو تأثيرات أو تدخّلات أو أية إغراءات أو ضغوط أو تهديدات أو ما شابه ذلك، من هذا الفريق أو ذاك على أساس حزبي أو مذهبي أو ديني أو مناطقي أو عرقي أو …، مباشرة كانت أو غير مباشرة، من أي جهة على الإطلاق محليّة أو دولية ولأي سبب كان. وهو الذي يتم اختياره وفقًا لمعايير خاصة تتفق مع مسؤوليته الملقاة على عاتقه، كتوافر العلم والمعرفة التامة بأحوال الناس والهيبة والنزاهة، والعدالة والثقافة والكفاءة القانونية، والفِراسَة والتثبّت وبعد النظر والفقه والحيادية وعدم التحيّز، والحكم بالقرائن والإقرار لإظهار الحق والقدرة على اتخاذ القرارات باستقلالية تامة خالية من أي تأثير سياسي أو مالي أو شخصي، بهدف تحقيق الصلاح للناس واحترام حقوقهم وإبعاد الفساد عنهم. كما على الدولة بالمقابل أن توفّر للقضاة الأمن والأمان والأجور والموارد الملائمة والكافية لتمكينهم من أداء مهامهم بطريقة سليمة، كما على كل قاضٍ أيضًا أن يكون ملزمًا بالمحافظة على سرّ المهنة فيما يتعلّق بمداولاته وبالمعلومات السريّة التي يحصل عليها أثناء أداء واجباته. 

 

نظام العدالة والتحدّيات الصعبة

هو النظام الذي تمَّ التخطيط له وتصميمه لضمان معاملة جميع الأفراد على قدم المساواة والنزاهة، بغض النظر عن خلفيتهم الثقافية أو الدينية أو السياسية أو الاجتماعية أو …. فذلك هو مبدأ أساسي من مبادئ المجتمع الديمقراطي الذي تتغنى به وتطالب به كل الشعوب، وهو ضروري للحفاظ على ثقة الأفراد بنظامهم القضائي.

إنَّ أحد المكونات الرئيسية لنظام العدالة العادل هو الحق في محاكمة عادلة. وهذا يشمل الحق في الاستعانة بمحام، وبهيئة محلّفين محايدة. كما يعني أنه لا ينبغي أن يتعرّض المتّهمون للتمييز أو التحيّز على أساس العرق أو الجنس أو التوجه الجنسي أو أي من العوامل السياسية والاجتماعية والطبقية المختلفة. ولنظام العدالة جانب آخر مهم يتمثّل باستخدام الممارسات القائمة على الأدلة واستخدام الأساليب العلمية لجمعها، فضلاً عن استخدام خبراء غير متحيّزين للإدلاء بشهاداتهم في المحكمة، وذلك يعني أنَّ القرارات تستند إلى الحقائق الدامغة، وليس على الآراء الشخصية والاجتهادات غير المبرّرة أو التحيّزات.  

من الضروري أيضًا أن يتّسم نظام القضاء العادل بالشفافية والخضوع للمساءلة. وذلك يعني أن يكون لأفراد الجمهور إمكانية الوصول إلى كل المعلومات التي تتعلَّق بالنظام القضائي، وأن تكون هناك آليات للأفراد للإبلاغ عن أي مخاوف بشأن سوء التصرّف والسلوك المتحيّز للهيئات الرقابية المستقلّة، فضلاً عن فرص الاستئناف ومراجعة قرارات المحاكم.

من المجالات الحرجة التي غالبًا ما يتم تجاهلها ولكنها أصبحت أكثر بروزًا في السنوات الأخيرة هي معالجة الفوارق العرقية والإثنية داخل نظام العدالة. وهذا يشمل ضمان عدم استهداف الأشخاص الملونين والمجتمعات المهمّشة الأخرى بشكل غير متناسب من قبل أجهزة إنفاذ القانون. يمكن أن تشمل الجهود المبذولة لمعالجة هذه التفاوتات عمل الشرطة المجتمعية، والتدريب على عدم التحيّز، وغيرها من البرامج المصمّمة لتعزيز المساواة العرقية والإثنية والطبقية في المجتمع.

بشكل عام، تم تصميم النظام القضائي العادل الشفاف الخاضع للمساءلة لضمان معاملة جميع الأفراد على قدم المساواة وبنزاهة، بغض النظر عن خلفيتهم أو وضعهم الاجتماعي. ومن خلاله يمكننا كأفراد وكمواطنين في المجتمع تقديم المساعدة كلٌّ من موقعه في بناء ذلك المجتمع الذي نتطلّع إليه الأكثر إنصافًا وعدالة للجميع.

فأين تكمن مهمة النظام القضائي في لبنان ودوره في الحفاظ على سيادة القانون وحماية حقوق وحريات المواطنين؟ وهل يواجه تحدّيات التدخلات السياسية من الجهات الحكومية النافذة وضغوطًا من هنا ومن هناك لاتخاذ قرارات تفيد الحكومة أو الجهات الفاعلة على اختلافها بدلاً من دعم القانون بشكل عادل وحيادي؟ وهل يتأثر بالفساد بسبب نقص الموارد لتعزيز مصالحه الخاصة أو لتحقيق مصالح سياسية محليّة أو دولية وبالتالي نظام عدالة بطيء وغير فعال، ما يجعل من الصعب على المواطنين الوصول إلى العدالة المنشودة؟ وهل باستطاعته محاسبة المسؤولين الفاسدين، ومنع الفساد المستشري ومواجهة الأزمات التي يعيشها المواطن  والتي أصبحت عبئًا كبيرًا وحِملًا ثقيلًا عليه وبسببها لا يستطيع القيام بأدنى مقوّمات العيش الكريم.

إنَّ إعادة بناء النظام القضائي في بلد غارق في أزماته على اختلافها(سياسية، اقتصادية، مالية، اقليمية، دولية،…) مهمة صعبة، لأنه يواجه عددًا من العقبات التي تعرقل قدرته على العمل بفعالية، التي تشمل بعض التحدّيات الرئيسية، كالسياسات المتبّعة في مكافحة الفساد، وإشكالية تعزيز الشفافية والمساءلة والمشاركة العامة في إرساء ثقة الجمهور في النظام القضائي والحفاظ عليها، وعدم الاستقلالية بسبب التدخّلات السياسية التي تشكّل العقبة الرئيسية أمام إعادة بناء ذلك النظام القضائي الفعّال. 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *