الشاعرة د. ربى سابا حبيب والمسرحي طارق بشاشه ضمن أسبوع التراث الوطني في لقاءٍ غير معلَّب من تنظيم أدهم الدمشقي
مارلين سعاده
11/25/ 2023
ضمن أسبوع التراث الوطني، وبدعوة من المدرسة الأهليّة- وسط بيروت،من تنظيم الفنّان المسرحي والرسّام والشاعر أدهم الدمشقي، قدّم طلّاب الصفّ الثانوي الثالث، صباح الجمعة 24 تشرين الثاني 2023، في مكتبة برزخ – الحمرا، لقاءً ثقافيًّا شعريًّا ألقى خلاله الطلّاب قصائد شعريّة مختارة لشعراء الحقبة الثقافيّة الذهبيّة في بيروت، الذين جعلوا من مقهى الـ”هورس شو” ملتقى لهم، يرتادونه مجتمعين فيه، يكتبون قصائدهم، ويلقونها متبادلين الآراء حولها، محوّلين المقهى إلى محجٍّ ثقافيّ وملجأ للفكر الحرّ؛حتّى أنّهم لم يتوانوا عند منع الرقابة عرض مسرحيّة “إضراب الحراميّة”للمخرجة المسرحيّة الممثّلة اللبنانيّة القديرة نضال الأشقر(خرّيجة المدرسة الأهليّة – وسط بيروت)عن القيام بمسيرةٍ احتجاجيّة توجّهت من مسرح العرض إلى الـ”هورس شو” حيث قاموا بلعبها داخل المقهى.
قدّم الطلاب خلال اللقاء قصائد مختارة لشعراء من تلك الحقبة الثقافيّة، فألقوا أشعارهم بشكل فرديّ حينًا (شاب أو فتاة) وثنائيّ مسرحيّ حينًا آخر (شاب وفتاة)، ثمّ قدّم الفنان أدهم الدمشقي الشاعرةد.ربى سابا حبيب بكلمةٍ تلخّص مسيرتها الثقافيّة من فرنسا إلى لبنان، كما قامت هي بدورها بعرض لمحات من نضالها الثقافي في فرنسا، حيث اختارت لها اسمًا واحدًا، تُعرَف وتعرَّف به، هو “الشاعرة اللبنانيّة”، تأكيدًالانتمائها الوطنيّ، وتعبيرًا عن حبّها الصادق للبنان؛ حتّى أنّها رفضت أن تتقدّمَ الجنسيّةُ الفرنسيّة على جنسيّتها اللبنانيّة. لقد عادت إلى الوطن بعد مسيرةٍ ثقافيّةٍ طويلة وغنيّة بالعطاء، قادت خلالها مسيرات احتجاجيّة داعمة للبنان الرازح حينها تحت نيران الحرب الضروس؛ عادت لتتشبّث بأرض جدودها، تعمل، كما يعمل أبناؤها، في الحقل، مثبّتة جذورها، معانقة تراب الوطن المقدّس، هذا التراب الذي تشعر من خلاله بأنّها تمسك بسواعد أمّها وأبيها فتنهضهما – وفق تعبيرها – ليعيدا معًا إحياء الأرض.
أرادت د. ربى سابا حبيب، من خلال النبذة التي عرضتها عن حياتها، أن تُظهر للطلبة أهمّيّة الوطن في حياتنا، وسموّه، وتفوّقه على أيّ وطنٍ عداه، مضيئةً على دور بيروت الريادي في احتضان كبار المفكّرين والشعراء الأحرار الذين كانوا يختارونها ملجأ لهم، كونها بلد الحرّيّة الفكريّة، مؤكّدة أنّهم لم يجدوا في محيطها العربي، بعدما غزتها الحرب وشتّتت أبناءها وزوّارها من مفكّرين أحرار وشعراء، بلدًا يشبهها في الحرّيّة ليلجأوا إليه، وإنّما اتّجهوا ناحية أوروبا؛ وهو ما يشير إلى فرادة بيروت وانفتاحها الذي كان للأسف سببًا في نكبتها…
قدّمت أيضًا الشاعرة ربى سابا حبيب مختارات من قصائدها، كانت تتوقّف عند أجزاء منها لتشرح للطلّاب منطلقاتها وأبعادها ومغازيها، إذ كتبتها في عمر الصبا، مشيرةً إلى أنّ الحبيب كان دائمًا بالنسبة لها وطنها لبنان. بدت الشاعرة ربى على المنصّة وكأنها تستعيد دورها كأستاذة في جامعات فرنسا ولبنان، وهي تخاطب طلّابها وتلقّنهم فنّ الشعر، والإلقاء المفعم بالإحساس الصادق، مؤكّدة لهم أنّ الشعر هو الشعور وليس مجرّد إلقاء نصٍّ مكتوب.
بدوره شارك الشاعر أدهم الدمشقي الشاعرة ربى سابا حبيب إحدى قصائدها، فتناوبا على إلقاء أبياتٍ منها، آسرَين بأسلوبهما وإحساسهما الجميل سمعَ الحضور الذي ضمّ، إضافةًإلى الطلّاب، عددًا من الأدباءوالشعراء، على رأسهم الشاعر أنور الخطيب، فتفاعلوا بشكلٍ كبير مع عرضهما المميّز وألهبوا القاعة بالتصفيق.
أيضًا شارك في اللقاء العازف والمسرحي طارق بشاشة الذي قدّم موجزًا عرضَخلاله تاريخ المبنى الموجودين فيه، حيث احتضن الطابق الأرضي منه، لمرحلة من الزمن، مقهى الـ”هورس شو” الذي تحوّل الى “كوستا”، قبل أن يقفل بدورهويصبح مقهى شعبيًّا؛ معدّدًا أسماء روّاده من الشعراء، وكان بينهم نخبة من شعراء جنوب لبنان الذين كانت تنضمّ إليهم نخبة من الشعراء العرب الكبار أمثال نزار قباني ومحمد المغوط وأدونيس وسواهم… مشيرًا إلى أنّه استطاع مواكبة هذه الحقبة في نهايتها كونه من مواليد الستينيّات.
بعد عرضه لتاريخ المكان الذي أقيم اللقاء في الطابق الأول منه داخل مكتبة برزخ، قدّمبشاشة ثلاث معزوفات على آلة موسيقيّة تشبه المزمار، مصنوعة في فلسطين وتحمل اسم “الجبّارين”، وهو اسم العائلة التي صنّعتها؛ مضفيًا بموسيقاه المفعمة بالإحساس والشجن جوًّا من الدفء، ما جعل الحضور يتفاعلون معه ويطالبونه بالمزيد.
في الختام، نشير إلى مدى أهمّيّة هذا النوع من اللقاءات الذي يجعل من الطلاب – جيل المستقبل – يشاركون في أنشطةٍ ثقافيّةٍ تُعنى بالكلمة، ما يعزّز دور اللغة العربيّة، ودور الشعر، وبالتالي يثبّت انتماءهمإلى هذه الأرض وإلى “الوطن”، فيعيد له المكانة التي يستحقّها في قلوب أبنائه.
كل التقدير للشاعر المبدع أدهم الدمشقي،وللمدرسة الأهليّة – وسط بيروت التي أتاحت لطلّابها المشاركة في لقاءٍ خارج إطار الصفوف المغلقة، وهو ما يسعى إليه باستمرار أستاذهم أدهم الدمشقي مقاربًا الأمر بالفرق بين الاكتفاء بما تقدّمه لهم علبة السردين (الكتاب المعلّب) وما يجود به البحر الذي يتيح لهم اصطياد كلّ أنواع الأسماك والتعرّف على جمالاته اللامحدودة.
***
* الصور بعدسة الطالب محمد البطل