“لَوْ خِلْيتْ خِرْبِتْ”/ قصة قصيرة
ديانا جورج حنّون
عندَ المساءِ، وهو عائدٌ منْ ورشةِ البناءِ، دخلَ “أبو ماجد” متجرَ “أبي وديع”، وأَلقى عليهِ التّحيةَ: مساءُ الخيرِ. ردَّ عليهِ: أَهلاً وسهلاً… تَبدو مُتعباً؟
– إيه والله، (مُتنهّداً) تعبْتُ اليومَ في نقلِ الخفّان إلى الطّابقِ الثّالثِ في ورشةِ البناءِ.
مُتعاطفاً، قالَ “أَبو وديع”:
– أَعانَكَ اللهُ، وسدّدَ خُطاكَ، ورزقَكَ منْ أَبوابِهِ الواسعةِ.
– شكراً جزيلاً. منْ فضلِكَ، أَعطني ربطةَ خبزٍ، وعلبةَ لبنةٍ، وكيلو منَ التّفاحِ.
– “تكرم”… قالَ “أبو وديع”. وفي لحظاتٍ جهّزَ لهُ الأغراضَ، ووضعَها أَمامَهُ، في كيسٍ منَ النّايلونِ على الطّاولةِ.
– كمْ سأَدفعُ ثمنَ مُشترياتي؟ سأَلَهُ.
بخفّةٍ، نقرَ “أبو وديع” بإِصبعِهِ على الآلةِ الحاسبةِ اليدويةِ الصّغيرةِ، وقالَ:
– ثلاثمئةُ أَلفِ ليرةٍ.
بهدوءٍ، أَخرجَ “أبو ماجد” محفظةً سوداءَ منْ جيبِ سروالِهِ، وعدَّ نقودَهُ، ثمَّ نظرَ الى ” أبي وديع”، وابتسامةٌ تموجُ على ثغرِهِ، وقالَ:
– بحوزتي مائتانِ وخمسونَ ألفَ ليرةٍ، وهذهِ… مُلوّحاً بها، ورقةُ يانصيبٍ. إِشتريْتُها اليومَ منْ بائعٍ متجوّلٍ، علَّ الحظَّ يطرقُ بابي. أَتقبلُ الورقةَ بقيمةِ المالِ المُتبقّي؟
ضحكَ “أبو وديع”، وقالَ، وهو يعرفُ حقَّ المعرفةِ وضعَ “أبي ماجد” المادّيَّ:
– طبعاً، أَقبلُ…هاتِها…
أَخذَ “أبو وديع” المالَ وورقةَ اليانصيبِ، ووضعَهُما في جارورِ الطّاولةِ.
شكرَهُ “أبو ماجد”، وحملَ كيسَ المُشترياتِ ومشى. عندَ البابِ، إِلتفَتَ إلى “أَبي وديع”، وقالَ له مُذكّراً:
– غداً سيُجرى السّحبُ… تُصبحُ على خيرٍ. وغادرَ المتجرَ.
بعدَ أُسبوعٍ، مرَّ “أَبو ماجد” أَمامَ المتجرِ. ما إِنْ لمحَهُ “أبو وديع” ناداهُ، ولوِّحَ لهُ بيدِهِ ليدخلَ.
أَسرعَ إِليهِ “أبو ماجد”، وقالَ بلهفةٍ:
– خيرٌ إنْ شاءَ اللهُ.
– كلُّ خيرٍ. قالَ مُبتسماً. أَتذكرُ ورقةَ اليانصيبِ التي أعطيْتَني إِيّاها منذُ فترةٍ؟
– ما بِها ؟ أَضعْتَها؟
– لا، منْ يومينِ، تفقدّتُ نتائجَ السّحبِ…
– إيه..
– لنْ تُصدِّقَ…
– أَخبرْني..
– ربحَتِ الورقةُ الجائزةَ الكبرى. واليومَ قبضْتُ المالَ بعدَ احتسابِ الضّريبةِ عليهِ.
صُعِقَ “أبو ماجد”، واستدركَ قائلاً:
– مُباركٌ عليكَ.
– هذا المالُ أَنتَ تستحقُّهُ. لا أُريدُهُ.
– ورقةُ اليانصيبِ لكَ، ومالُ الجائزةِ منْ نصيبِكَ.
– إِسمعْني منْ دونِ جدالٍ.. قالَ “أَبو وديع”. أَخذْتُ منَ المالِ حقّي، وما تبقّى منْهُ لكَ بكاملِهِ. أنتَ ربُّ أُسرةٍ كبيرةٍ، وأَولادُكَ يحتاجونَ إلى مصاريفَ كثيرةٍ. إقبلْهُ.
– لا أَستحقُّهُ…
– لنْ أَسمعَ منْكَ هذا الكلامَ… قالَ “أبو وديع”، وأَخرجَ من تحتِ الطّاولةِ حقيبةً كبيرةً، ووضعَها أَمامَهُ على الطّاولةِ. خذْها، قالَ لهُ باشّاً.
غصَّ “أبو ماجد”، وبرقَتْ عيناهُ، وقالَ وهو يحملُها بكلتا يديهِ:
– جزاكَ الله كلَّ خيرٍ.. أَشكرُكَ على نبلِ أَخلاقِكَ، وشهامتِكَ، وأَصالتِكَ، وعلى محبّتِكَ. لنْ أَنسى صنيعَكَ معي ما حييْتُ. أَدامَكَ اللهُ، عزّ وجلَّ، على فعلِ الخيرِ، يا أَصيلُ. صدَقَ منْ قالَ: “لَوْ خِلْيتْ خِرْبِتْ”. هنيئاً لي بكَ يا… أَخي.