الأب جان مارون الحلو

Views: 275

إضاءة على كتاب “صوت المتروكين”

الأب جان مارون الحلو خلال توقيعه الكتاب
الأب جان مارون الحلو خلال توقيعه الكتاب

 د. ناتالي الخوري غريب

صدر حديثًا عن دار سائر المشرق،  كتاب  “صوت المتروكين” “la voix des delaisses”، للأب جان مارون الحلو، في 237 صفحة من القطع الوسط.

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب

يطلق هذا الكتاب-الدراسة،  صرخة وطنيّة تنمويّة ملحّة، حفاظًا على الثبات والتجذّر في الأرض إيقافًا لنزيف النزوح والهجرة، على لسان المتروكين أو المهمّشن من أهل القرى ليبقوا في قراهم، فكان العنوان”صوت المتروكين”،  لجعل المجتمع يشعر بآلام أهل هذه القرى الجنوبية الحدودية المنسيّة وصعوباتهم، وإيصال صوتهم، تلك القرى المتروكة من قبل الدولة والجهات الرسميّة والمؤسسات التي تعنى بالتنمية. هم الذين يشبه واقعهم واقع جميع القرى، لذلك تمّ انتقاء نماذج الدراسة من ثلاث قرى حدوديّة هي: (عين إبل، ودبل والقَوْزَح). وتهدف هذه الدراسة إلى تحقيق مشاريع تنموية تنطلق من القاعدة الشعبية في تمثلاتهم،  لتؤمّن مشاركة بعضهم بعض مع الجهات المانحة  بهدف خلق الانماء الحقيقي والتغيير الاجتماعي انطلاقا من احترام هذه التمثّلات الاجتماعية.

وقد قدّم الكتاب الأستاذ أنطوان واكيم الذي اعتبر أنّ هذه الدراسة تمثّل حالة من حالات الكثير من القرى، داعيًا المركز البطريركي للدراسات إلى تبنّي هذا المشروع المطروح كخطّة عمل انمائية، والعمل على خلق شبكة تواصل بين القرى المحرومة وباقي المناطق بهدف تحقيق الانماء.

وتظهر الدراسة أنّ ثمّة الكثير من المشارع التنموية تُحصر وتصبّ في مناطق معيّنة، بحيث تأتي معلّبة بحسب الجهة المانحة، وفي أكثر الاحيان لا تناسب الواقع، ولا يُعمل على تطويرها بأيّة تعديلات لتتلاءم  وحاجات المجتمع المحلي، ما يؤدّي في أحايين كثيرة إلى فشل في خلق التغيير الاجتماعي. من هنا،  يتميّز هذا الكتاب  في أنّه ينطلق من التمثّلات الاجتماعية للناس، وليس من حاجاتهم. وما نقصده بالتمثّلات الاجتماعية هو ما طبع  في وجدان الناس وحفر فيه  عند قراءة واقعهم وتطلّعاتهم، وأيضًا في تحديدهم الجهات المعنية المسؤولة عن التنمية بحسب الأولويات.

منهجيّة البحث 

وقد جاءت منهجيّة البحث نوعيًّا وليس كميًّا، فالكتاب في الأصل هو بحث علمي حاز على اساسه الباحث الأب جان مارون الحلو دبلوم دراسات معمّقة في اختصاص العمل الاجتماعي، في الجامعة اليسوعية. وقسّم إلى بابين: بحث نظري يتناول دور الكنيسة في التنمية، ومفهوم التنمية الحديث. والباب الثاني بحث  ميدانيّ في القرى المذكورة سابقًا مع نتائج الدراسة ومن ثم تحليل النتائج، لينتهي بخطة عملانية لإنماء القرى.

في الفصل الأوّل من الباب الاوّل النظريّ، يتناول الباحث دور الكنيسة في التنمية انطلاقًا من الكتاب المقدّس في عهديه القديم والجديد، والحبّ التفضيلي للفقراء والمعوزين والمهمّشين، ومن ثمّ آراء  آباء الكنيسة  في أهميّة العدالة الاجتماعيّة وتقاسم خيرات الأرض، وصولًا إلى عرض تعليم البابوات في هذا المنحى، وهي كثيفة وغنيّة بدءا من العام 1891 حتى يومنا هذا. وهي تعاليم تسعى الى تجسيد الانجيل ومبادئه في عالم اليوم بحسب التعقيدات والتطوّرات.

أما الفصل الثاني من القسم الأوّل فيتناول فيه الباحث تطور مفهوم التنمية في حركته التصاعديّة، من نمو اقتصاديّ إلى مفهوم التنمية الشاملة التي تتناول البعد الاقتصادي والاجتماعي والانساني والبيئي،  وصولًا إلى التنمية المناطقية التي تسعى الى تحقيق التنمية في منطقة ما بحسب خصوصياتها.

دراسة نوعيّة

وجاء  القسم التطبيقي، في دراسة نوعيّة etude qualitative  تهدف الى فهم الإشكاليات في عمقها وتشعّباتها من خلال الحصول على كميّة وافرة من المعلومات وتحليلها. ورُصِدت المعلومات من مقابلات مع كلّ فعاليات المجتمع المحلّي وفعاليات المجتمع من الكهنة والرهبان والراهبات، رؤساء البلديات، المخاتير، رؤساء النوادي والتعاونيات، الناشطين الاجتماعيين،  لاستنباط دور الكنيسة المفترض من أجل تنمية المنطقة وحيثيّاتها والوقوف على الصعوبات التي تعيق التنمية فيها، إضافة إلى ضرورة حثّ الكنيسة على الاهتمام بتنميتها  ولعب دورها للضغط على المؤسسات الحكومية الغائبة منذ زمن طويل عنها لأسباب كثيرة. وظهر شبه إجماع على مسؤولية الكنيسة في هذا المجال فلا تستطيع أن تتنصّل بحجة أنّ التنمية من مسؤولية الدولة وحدها. فالكنيسة أمّ ولها حضورها المجتمعي ودورها، وإذا كانت الدولة غائبة أومغيّبة لأسباب تاريخيّة أو سياسيّة وغيرها، فعلى الكنيسة المبادرة من أجل الاهتمام بأبنائها ولو لم يكن هذا دورها الأوّل، فهي مسؤولة عن التنمية الروحية وبنيان الإنسان والأخلاق والقيم، ولكنّها مدعوّة إلى تكملة هذا بدور إنمائي اجتماعي- اقتصادي socio- economique.

وهنا التقت تطلّعات الناس بعد الاستبيانات مع تعاليم الكنيسة بهذه القضايا.

عوائق كثيرة

أمّا الفصل الثاني في الباب الثاني من الكتاب، فتحدّث عن العوائق وهي كثيرة، ولكن يمكن مواجهتها بتضافر اجتماعي وقيادة محايدة من الكنيسة التي ليس لديها حسابات سياسيّة وغايات نفعيّة، وبخاصّة دورها في مجال العيش المشترك، واستقلاليّتها عن الدولة، ومسؤولياتها التاريخيّة. ومن العقبات التي ذكرها الباحث، الأنانيّة والمصالح الفردية والحسابات الانتخابية والطائفيّة التي تصحّ في كلّ زمان ومكان.

ويبقى التساؤل الأخير الذي طرحه الباحث على الناس: هل الكنيسة قادرة على لعب هذا الدور؟ بحسب المعطيات هي قادرة إذا أرادت وقرّرت، ولكن عليها خلق مؤسّسات جديدة أو ديناميّة جديدة، كي تستطيع لعب هذا الدور الذي أصبح دورًا ملحًّا، وإلّا ستفرغ القرى من سكّانها أكثر وأكثر وتستشري الانقسامات والصراعات أكثر فأكثر.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *