لينة كريديه

Views: 415

التأمّل الوجوديّ والحكمة

 في رواية “ما ودّعك صاحبك”

ليندا نصّار
ليندا نصّار

ليندا نصّار

أن تكون الرواية مفتاح مواضيع تشكل جزءًا من الواقع وأن تكون منبعثة من ذهنيةٍ قبضت على عدّة ثقافات، وألقت الضوء على الحضارات بعاداتها وتقاليدها وأديانها، أمر مهمّ في الكتابة. وفي رواية “ماودعك صاحبك”، الصادرة عن دار النهضة العربية، وظّفت الكاتبة لينة كريديه السرد في خدمة الصور العميقة التي التقطتها من مجتمعها.

لينه كريديه.... وغلاف الرواية
لينه كريديه…. وغلاف الرواية

إنّها رواية التساؤل والحيرة، التأمّل الوجوديّ والحكمة، هي رواية الربح والخسارة، الطموح وخوف الفشل، المثاليّة وخوف الوقوع في الخطأ. بل هي رواية اللقاء والوداع، السفر والعودة. إنّها تعبير عن مجتمع تتنازع فيه الآراء والأفكار، ويحتلّ الاستغراب فيها الجزء الأكبر. من خلالها تتخطّى الكاتبة الأمكنة وتعبّر عن عدّة صور. وقد استطاعت أن تستعيد أحداثًا من فتراتٍ زمنيّةٍ بكلّ ما فيها منظروفٍاجتماعيّةٍ مختلفةٍ، وذلك بسرد شيّقٍ ابتعدت فيه عن الملل، إذ تجدها تخطّ مجتمعًا لتنتقل منه إلى آخر مجسّدةً رؤياه على ألسنة شخصيّاتها.

معلومات حضاريّة

إذا انطلقنا من العنوان، نلاحظ الوداع والصّحبة واذا انطلقنا لنتعمّق في سطورها أكثر فأكثر، نلمح أيضًا أحداثًا مكلّلة باللّقاء والوداع بين الأصدقاء والأحبّة. وقد تمّ ذلك بوصف دقيق الهدف منه زيادة ثقافة القارئ. “ما ودّعك صاحبك” رواية ليست عادية إذ تستفزّك لتترك أثرًا في نفسك بعد أن تزوّدك بمعلومات حضاريّة.

في بداية كلّ فصل من فصولها، بثّت الكاتبة عبارات من كتب معروفة سواء كانت دينية أو ثقافية كإنجيل بوذا والقرآن والإنجيل المسيحيّ ومحمود درويش… كأنّها تفتتح نصوصها منطلقةً من هذه الأقوال الّتي أصبحت بمثابة عنوان جديد لكلّ فصل.

تطالعنا في هذه الرواية الشخصيّة الرّئيسة التي وضّحت صور الشخصيات الأخرى بعلاقتها بها. فالبطل في سفر جعله يدرك حقائق المجتمعات، يترك فتاة أحبّها لمجرّد أنّه ليس جاهزًا للارتباط الجدّيّ بها،إنّه الرّجل النّاضج فبعد بلوغه سنّ الأربعين، أصبح بارعًا في معرفة ما يمتع المرأة وما يغريها. بينما الفتاة تعيش حلم الزّواج وتأسيس أسرة تعوّضها عمّا فقدته.

لقد جسدت هذه الرواية صورًا من المجتمعات قد تكون في كلّ زمان ومكان. فمن المرأة الصبور التي احتملت الكثير من زوجها لتحافظ على ترابط عائلتها، إلى رجل عديم المسؤولية دمّر أسرته بسبب أناه بعيدًا عن الإنسانية، إلى طموح الفتيات بالأمومة نتيجة الحرمان العاطفيّ، إلى العلاقة بين الأصدقاء والجلسات الممتعة، ومنها إلى الصراع بين الفشل والنجاح، خوف الرغبة وهيمنة الإرادة، ومنها أيضًا إلى النزاع بين فكرة السعادة الحقيقة والقناعة، الى البحث المستمرّ وسط عجز أليم.

أدب الرحلة

وتزيد علينا الكاتبة ثقافةً نكتسبها من سفرنا مع الشخصيات وكأننا نقرأ أدب الرحلة لنتعرف الى بلدان وثقافات مختلفة…

في النهاية نقول ان الكاتبة اختصرت المسافات والزمن وسافرت بنا بروايتها إلى عدّة  حضارات، كلّ ذلك بأسلوب شيّق وممتع، فوصلنا الى نهاية القصّة التي تراوحت بين السّلبية والإيجابيّة، إذ مثّلتهما بصورة الطير الجريح العاجز عن التّقدّم خطوة الى الأمام بسبب رجله المبتورة ولكنّه على الرّغم من عجزه كان يعرف أنّ النّاس سيستمتّعون برؤية قوّته في جناحيه، وكأنّ “لينة كريديه” تقول لنا أنّ الإنسان في نظرته إلى الآخر يهنّئه على مواطن القوّة التي يمتلكها ولا يدري أنّ هذا الإنسان بمظهره القويّ جريح في صميم نفسه بسبب ضعف أخفاه أو تغاضى عنه لسنوات.

ثمّ تنهي موضوعها بإيجابية قائلةً: “وتستمرّ الحياة … المهم أن يعاود الطيران ولو بعد حين”، وكأنّ لينه كريديه توصل رسالة من ذاتها إلى قارئها عبر هذه الرواية  بألّا يستسلم مهما ضعف وأن يبقى قويًّا بالتّسلّح بالأمل مهما عاكسته الظّروف والأيّام.

كلام الصور

  • لينه كريديه
  • غلاف الرواية
Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *