محمد الخطابي: “وداعاً أيّتها الأعوام”
في ذكرى صدور “وداعاً أيّتها الأعوام” باكورة أعمال الأديب محمد محمد الخطابي في أيار من عام 1980 عن الدر التونسيّة للنّشر (كان يديرها ويرأسها في ذلك الإبّان الأديب التونسي عزّوز الرّباعي)، صدرت الطبعة الثانية منه.
قدّم للكتاب في طبعته الأولى الأديب العراقي عبد الحقّ فاضل (نقل عمر الخيّام إلى اللغة العربية، وصاحب كُتُب “هو الذي رأي” (عن ملحمة غلغامش) و”تاريخهم من لغتهم” ، ومؤلفات أثرى بها المكتبة العربية ). في ما يلي كلمة التقديم:
قبل كل شيء أنصح القارئ العزيزألا يصدّق المؤلف العزيز أيضًا لا في العنوان ولا في كلمته التمهيدية التي يسوقها بين يدي كتابه ليقنعك أنه كتاب أحزان. فإذا كنت قد تهيأت للنحيب وأخرجت منديلك استعدادًا لتجفيف ميازيب الدموع الغالية فأعده إلى جيبك، يجوز على أكبر تقدير أن تلمع في حدقتك دمعة صغيرة قد تتحيّر لحظة بين أجفانك، لكنها لن تنزلق متدحرجة كاللؤلؤة على وجنتك.
وإذا خطر لك من جهة أخرى أن تشمت بأحزانه فاطرد هذه الفكرة الحقيرة فورًا من رأسك، إلا إذا أردت أن تشمت بنفسك…لأن هذه الأحزان والشكاوى التي سيرسمها قلمه اللبق لك، ليست ملكه وحده، فهي ملكك كذلك، وملك ثلاثة آلاف مليون من البشر الأحياء، وملايين الملايين من البشر الماضين والآتين.
فأنت حين تقرأ كلمته التأبينية على جنازة العام (المائت ) مثلا ستعلم انه ليس عامه الساقط من شجرة في ربيع عمره كورقة خريفية وإنما هو عامك أيضًا وعامهم وعام الإنسانيّة (المائتة) جمعاء.
وبالرغم من انفعاله وتفاعله مع موضوعاته لن تجده مستغلا لعطفك يدلق عليك سلّة متاعبه الشخصيّة لتعاونه في معاناتها… وإنما هي متاعبك وأشجانك يريد هو أن يعاونك على تجرّعها. سيحدّثك عن شؤون هذه الدنيا على الأغلب عما شعرت أنت به معبرًا عما سبق لك أن فكّرت فيه وكوّنت لنفسك رأيك بشأنه. مرآة يرى فيها وجهه، فيضعها أمامك لترى فيها ما رأى وإذا بك ترى شيئًا آخر. (Modafinil) ترى وجهك لا وجهه.
لكن هذا ليس كل ما في جعبة الأستاذ محمد محمد الخطابي. ستجد أنه مستفيض الحديث كذلك عن حواء وبناتها المحروسات، وعن الزواج وعن الحب وغرائب أطواره، وعن مسابقات الجمال ومفارقات الأزياء ناقمًا أو ساخرًا أو مداعبًا… ومستعينًا بالملاحظة الذكيّة والمثل السائر والحكمة تجري على ألسنة كبار الأدباء وقادة العقول.
هو إذن أديب يعيش عصره ويتفكّر في بعض مشاكله محاولا أن يحلّها ويستجلي غوامضها على قدر إمكانه… يبحث عن الحقيقة في بعض قطاعات هذه الحياة العويصة التي وجدنا أنفسنا قد أُلقينا فيها وفرض علينا تمثيل أدوارها التي كتبت لنا قبل اطلاعنا على (السيناريو).
يسميها أحزانًا، نعم. يشعر فعلا أنها أحزان، نعم. لكنه لا يعرف أن يكتبها إلا باسمًا، (عدا التمهيد الذي أراد فيه ان يدحض ادعائي بأنها ليست أحزانًا بالمعنى اللغوي).
وإذا أنا قلت لك الآن، عزيزي القارئ، إن هذا الكتاب هو شأو مؤلفه أكون قد ظلمته، فكأني عندئذ قد قلت إني لا أتوقّع له أن يتقدّم مراحل يرتقي درجات وهو لما يزل في مقتبل عمره، وأمامه الميدان الفسيح والأمد المديد.
إني لا اريد أن أكيل له الجزاف من المديح أو أصدر في تقييمه المحدّد من الأحكام، كأنما أنا اتهم حسن تقديرك أو اريد التسلط على حريّة تفكيرك، فتأتي النتيجة معكوسة، ظنًّا أن المسألة دعاية ومحاباة.
فاحترامًا لرأي القارئ أترك له الأمر يعطيه من الثناء والتقدير ما يجود به طبعه ومستواه.
بغداد في 1-1- 1978