حنان رحيمي … متمردة تبحث عن “الإنسان”
ميشلين مبارك
تكتب حنان رحيمي بقلم من ألم، وكأنّ يراعها ينزف وجع الواقع المرير، يتأوه من الظلم، يصرخ مع كل روح سحقتها يد الجهل في كل قصة من قصص “بائعة الاعشاب” لتحمل النهاية حكمة عميقة هي عبثية الحياة من دون حبّ.
ولعلّ السرّ في جمالية هذا القلم يكمن في رفضه الاستسلام بل الاصرار على قهر الألم بالابتسامة، تحدّي الرياح بالعبور، تحدي المطر للوصول كما في قصة “ابنة المطر” على سبيل المثال.
في مشهدية القصص بمجملها، نرى دموع القدر تطرق باب الشوق، نسمع صوت الموت يسرق طريق الصباح، نشعر بلوعة الفراق يضجّ في قلب القارئ ليعبر مسافات الغربة.
والامثلة على هذه الجماليات عديدة: في قصة “سرقوا صوت امي” تقول الكاتبة: “لو ان هذه البحار التي تفصل بينها وبين امها دموع، ما كانت لتكفيها”. وفي قصة “بائعة الاعشاب” التي حمل الكتاب عنوانها، كأننا نواجه عمرنا الهارب، وهنا اقتبس: “يا له من استمرار وحشي للعمر، حين يتحول موتا يوميا…ويصبح الرحيل الى المثوى الاخير راحة ينشدها من سحقتهم قسوة الحياة”. وفي حكاية” سأستعيد دمي” تتجمد الدمعة في المقل عندما نتحسس الآم المرأة: “الآم روحها وجسدها تدفعانها للصراخ، ولكنها لم تبك ولم تئن… البركان في دمها احال حنجرتها رماد..”.
ما نلاحظه كيف ان الكاتبة تحمل لواء مناصرة المرأة المظلومة والمعنفة والمرهقة من حياة لم تخترها بل وضعتها الظروف امامها لتحياها او بالحري لتحتضر فيها. ومن ناحية اخرى تدعو المرأة الى الهروب من سجنها لتعيش الحياة بحقيقتها كما في قصة “فايسبوك”.

ولعلّ الرسالة الاقوى هي من خلال قصة “ابو حجر” حيث أتى التماهي مع واقع الحياة كصفعة موجعة تحاكي انسانيتنا في التعامل مع الاشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، نعم صفعة تسددها الكاتبة لمجتمع منافق ينادي بالحقوق ولا يمارسها، يطالب بالتعامل السويّ وهو عنصريّ متزمت، يظن نفسه كاملا وهو الحامل لعاهات متجذرة في عادات وتقاليد بالية.
في النهايات جميعها تمّر العبرة بسلاسة وصدق بعيدا عن الوعظ المباشر والنقد.
الامر نفسه ينعكس تماما على الاسلوب السهل والحقيقي يتلمسه القارىء من دون تعقيدات، فيقلب صفحات الحكايات كأعشاب تتناثر في ايدي بائعة تنادي فقط الانسان.
صديقتي الكاتبة، وضعتي كلماتك على جرحنا النائم فبات حالنا كحال الفيلسوف الاغريقي ديوجين يصرخ في شوارع المدينة حاملا مصباحه في وضح النهار مناديا: “ابحث عن انسان، ابحث عن انسان”.