خمسٌ وعشرون سنة في خدمة صاحبة الجلالة

جاندارك ابي ياغي

  

في بلاطِكِ صاحبةَ الجلالة، ألتقطُ أنفاسي وأستأذنُك للحظاتِ خشوعٍ أمامَ مرآة ذاتي، أستجلي دقائقَ سنواتِ خمسٍ وعشرينَ بذلتُها في خدمتِك، وأُسائلُها وأسأَلُها: ماذا فعلتُ؟ ماذا أنجزتُ؟ وإلى أين بعدُ؟

منذُ تخرُّجي العام 1994 من كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية وإلى اليوم، وأنا أعيشُ حالةَ عشقٍ صاخبٍ مع رسالةِ الصحافة وليس مهنةَ المتاعب.

خلالَ ربعِ قرنٍ تجنَّدتُ عقلاً وقلبًا ويراعًا لخدمةِ لبنان في مؤسسةِ الشرفِ والتضحيةِ والوفاء ولمَّا أزل.

ففي مجلة “الجيش” اختمرتْ خبرتي بخميرِ العلم والعطاء والتفاني. وكانت صفحاتُها ميدانًا لقلمي يحبِّرها مقالاتٍ ومقابلاتٍ وتحقيقات، وينفردُ بالأخبار الثقافية والبيئية والسياحية والأدبية والمناسبات الاجتماعية الهادفة. وكلُ هذا العملِ الصحافي الصرف قد رسَّخَ في ذهني حقيقةَ أنَّ لبنان هو رسالةٌ نحملُها إلى أربعِ جهات الأرض ونخدمُها في هياكلِ الإيمان بالله ومدارجِ الحضارة وعالمِ النور. والحقُ يُقال، على هديِ هذه الرسالة انطلقتْ مسيرتي الإعلامية وستستمرُ بإذن الله.

“حكايتي مع الشاشة”

أما حكايتي معَ الشاشةِ، فهي حكايةُ ولعٍ وغرامٍ وحلمُ الطفولة. أبصرَ هذا الحلمُ النور على شاشةِ النور، تيلي لوميار ونورسات، هذه المحطةُ الرسالة بكلِ أبعادِها. 

رافقتُها في انطلاقتِها الإنسانية والإيمانية، فكانت تجربتي الأولى في الإعلام المرئي، وكان الحصادُ وفيرًا من البرامجِ التلفزيونية (إعدادًا وتقديمًا)، والحوارات الصباحية المباشرة على الهواء، وعبر إعداد الوثائقيات، وتغطية كل المناسبات الوطنية منها وغير الوطنية.

هذه التجربةُ، فتحت أمامي آفاقًا واسعةً لخوضِ مجالاتٍ أخرى في الإعلام تتطلّبُ جرأةً وثقةً بالنفس. فوقفتُ على خشبةِ أرقى المسارح، وقدَّمتُ حفلاتٍ في مناسباتٍ وطنية واجتماعية، كما تميَّزتُ في إدارةِ الندواتِ الثقافية والأدبية، فأطلق عليَّ أدباءٌ وشعراءُ أفتخرُ بصداقتهم لقبَ “أميرةِ المِنبر”، وهو وسامٌ يتوّجُ مسيرتي الإعلامية ويحمِّلني مسؤوليةً كبيرة بعد مواسم هذه السنواتِ الخيّرة.

في عُصارةِ هذه السنوات، لا يسعُني إلاّ أن أنحني أمامَ حبرِ أقلامِ كلّ الأساتذة الراحلينَ منهم والأحياء الذين لهم، بعد ربي، الفضلُ في ما وصلتُ إليه في مسيرتي الإعلامية المكتوبة والمرئية، فهم مَنْ أمسكوا بيدي وأطلقوني في عالمِ الكلمة.