القادةُ والمُسْتَتْبَعُون

Views: 638

 د. كلوديا شمعون أبي نادر

من هو القائدُ؟ أو من هو الزعيم؟

بين من يُنصَّبُ قائداً لشخصه وكاريزما مُعينة، ومن يغدو قائداً تبعاً لإنجازاته، يبقى الفرق شاسعاً! ومن المؤكّد، ما من زعيم إن لم يغيّر مجرى تاريخ شعبه، ويعمل المستحيل للحفاظ على كرامته وسيادته وحرّيته.

إليكم الصفات التي يتمتعُ بها القائد الحقيقي:

  • شجاعةٌ لا شائبةٌ فيها
  • نظرةٌ رؤيويّة
  • تفهُّم للواقع، وفي أدقّ تفاصيله
  • أخلاقيةٌ مثاليّة
  • مصداقية في العمل
  • سلاسةٌ في العلاقات الإجتماعية
  • إمتلاكُ موهبةٍ الخطابة
  • كاريزما محبّبة
  • تواضع
  • حسّ تخطيطيّ من الطراز الأول
  • طَموح ومُتفائل
  • ثقة كبيرة بالذات
  • قدرات مذهلة
  • معنويات فولاذية
  • مُرشد

إن القائد الحقيقيّ يُحوّل القلق والمحن إلى إنجازات، قادرٌ على تغيير المعطيات التي تبدو قدريّة، ويُساعدُ الآخرين على الإيمان  بأنفسهم، شخصيته قوية ومتفتحة. إقتراحاته الذكيّة قادرة على إقناع الآخرين بوجهة نظره، يُكرس ذاته لخير شعبه.

والقائد الحقيق يثق بنفسه، وقناعاتُه ليست إعتباطيّة بل ثمرة تفكير مليّ، ويعرف كيف يتقاسمها مع فريق عمله، هو لا يدّعي المعرفة المطلقة، بل ينهلها بشغفٍ يدعو للإعجاب. وفي الأمور المصيريّة، بارع هو في كيفيّة تخطي حدود منطقة أمانهِ. وكل عقبة، بالنسبة إليه، فرصة تتيح له إيجاد حلول مبتكرة، ولا تخلو من المخاطرة، ولأنه يتحّمل مسؤولية قراراته، فهو لا يبحث عن الأعذار الواهية والعبثيّة وغير المنطقيّة. والقائدُ، أو الزعيمُ يكسُرُ القوالب الكلاسيكيّة، دأبُه التغيير والإصلاح البّناء والواعد، وهو ليس بحاجة إلى لقب كي يرسّخ موقعه السلطوي. أعماله وإنجازاته تَبني زعامته!

والزعيم الذي لا يحتاجُ إلى عباءةٍ لتكريس زعامته، لا يتسلطُ، بل أن سلطته نابعة من مسار نضاليّ، ومسلكٍ وطنيّ، ويَدين ِ لم تتلطخا بالدم، وشجاعةٍ لم تعرف الخيانة يوماً. هو لا ينصاع إلى رغبات الحشود ليحظى بالشعبية الجماهيريّة. فالقائد الحقيقيّ يطبعُ الشعب برؤيته، وليس العكس. ومحطمو الأحلام، والنّمامون، وناشرو الإشاعات الكاذبة، والمأجورون لا مكان لهم في مُخططات القائد الذي يُضحّي بالغالي والرخيص كي يكون المثال الذي يُحتذى به. يُسودُ الإعتقاد أن السلطة تخلق المسؤولية، بينما العكسُ هو الصحيح.  فالمناصب وإن ساهمت في خلق هالةٍ ما، إلا أنها ليست العامل الأساسي في تحديد هوية القائد، والقائدُ حين يُوصَمُ بغير الشعبيّ، يُشكل هذا الموقف ضمانةً أكيدةً لمسارٍ مستقيم، ونبل يرفض التسويات على حساب القيم والقانون وخلاص الوطن.

كيف تُبنى القيادةُ؟ بالإصغاء ومتابعة مجرى جميع الأمور، على القائد أن يُشيع الثقة في محيطه، والأهم في شعبه. وعليه أن يكون نفسه، أي لا يعمد إلى تقمص شخصيّة ما؛ فالمصداقية رُكن أساسي في هيكل الزعامة، واللغة والمواقف الخشبيّة دليلٌ فاضحٌ على استغباء الشعب. وفي عالمنا الحاليّ، تقف التكنولوجيا (وسائل التواصل الإجتماعي، والتلفزيون، وحتى الصحف) في المرصاد لكل من يحارب الشفافيّة. ما من أسرار تُخفى في القرن الواحد والعشرين، فكل موقف، وكل تصريح، وكل خطوة يخضعون لمقصلة الإفشاء العلني الذي يقطع دابر الشك. والشفافية هي درع القائد الواقي من غدر المتربصين به شراً. والزعيم الحقيقي لا يستأثر بالسلطة وبالقرارات منفرداً. فالديموقراطية تفرض مقومات، لا بد من الإلتزام بها.

أيها الحضور النخبويّ،

فرقٌ كبيرٌ بين القائد الحقيقيّ، والقائد الدّجال الذي يتلاعب بعقول مستتبعيه، فهو يلجأ إلى الكذب والغش والحيلة، والأساليب الخدّاعة، والتصريحات الممّوهة والمُلتبسة، سلاحه النعرات الطائفيّة والحزبيّة وحتى المناطقية. يمشي على جُثث مستتبعيه كي يُحقق مآربه الخاصة. هو كاذبٌ من الدرجة الأولى، ممثّل بارعٌ ومهووس بشخصه. مُناور خسيس، ومجرم لا ضمير له، شعاره “الغاية تبّرر الوسيلة”. لا يمتلكُ أدنى مقومات الشفافية، محترفٌ هو في الإحتيال والتلاعب بالعقول الساذجة. يبيع نفسه للشيطان، إن لزم الأمر، لا يمنح ثقته لأي إنسان؛ وبالنسبة إليه، كل شيء، وحتى كل إنسان يُشترى ويباع، ويرى أن قيمة المرء بماله وجبروته وطغيانه. هذه هي صفات القائد الدجّال أو الحِرباء السياسية.

لا شك أن التابعين دعامة للزعامة. فلا يكفي أن يُقرر الإنسان امتلاك  مفاتيح القيادة. لا بُد للشعب أن يرى فيه هذه الصفة، كي يدعمه للوصول إلى السلطة. والإقرار بزعامة شخص ما ليس أمراً سهلاً، ولا يحظى بديمومةٍ بديهيّة في البلدان المتحضرة والمدركة لحقوقها وواجباتها، وعلى درجة من الوعي تُمكّن من التمييز بين الحقيقة والدجل!

أما المستتبع، فلا صلة له بالديمقراطية، والإعلان العالميّ لحقوق الإنسان، والحقوق والواجبات، والحريات، وبالطبع قائدُهُ دجّال، يتصرف غرائزياً، وكخراف Panurge يُنفذُ ما يُطلب منه، ويقلد ببغائياً ما يفعله محيطه، بدون تحليل أو أي تفكير منطقيّ. وهذا الناخب الساذج وغير المثقف يُصدق أن زعيمه الحربائي حاضرٌ لحل جميع مشاكله، وسيوفّر له عملاً، وإن طالت أزمة البطالة عشرات الألوف، ويعتقد راسخاً أنّ زعيمه الدجّال، سيوفر له حياةً تقاعدية كريمة. والمستتبعُ يُتلاعب بعقله بسهولة مرعبة، كيف لا وقد تربّى تدجينياً ضمن إطاره الحزبي على التعصب الديني والطائفي والسياسي والحزبي. مُنصاعٌ هو بطريقة عمياء، مما يُعطل إرادته، المسلوبة أصلاً منذ سنوات، هو يضع غمائم (œillères) تحجب رؤيته وتقزّم، لا بل تُلغي دائرة تفكيره. وبما أنه يجهل الفكر النقدي، فهو يُنفذُ ولا يعترض. وما دام مبرمجاً في أدق التفاصيل، تبقى أحكامه، إن وجدت، دائماً مُسبقة. لا يحاور ولا يُناقش، بل يَعمد، وبشتى الطرق، إلى فرض ما يعتقده صحيحاً، وبعض المُستتبعين يعمدون إلى العنف لتحقيق هذه الغاية. هم يرفضون أي رأي مغاير للذي تلقنوه عقائدياً أو غسل – دماغياً.

أيها الحضور الكريم،

في الديموقراطيّات الحالية، والإنتخابات الشكليّة – طالما أن النتائج معروفة مسبقاً – والمفصّلة على قياس الأقلية الحاكمة إقطاعياً، وتوارُثياً، وحزبياً، ومالياً، هذه الإنتخابات وقد فُرغت من مضمونها الديموقراطيّ، تفرضُ على الشعب مُرشحيها، والذين فازوا ظاهرياً بأصوات قناعة الناخبين! فالعولمة التي قتلت الإنسان، بعد أن عرّته من ثقافته وتقاليده وإيمانه وتاريخه وخصوصيّاته، وبعد أن أربكت قناعنه وقناعاته، وأدخلته في عوالم سرابيّة أنهكته جسدياً وعقلياً وفكرياً ونفسياً، وبعد أن جرّدته من قِيمه ولوّحت له بطُعمٍ لا طعم له إلا الفساد، عَنيتُ الجشع الذي لا يُشبع نُهمهُ إلا المال الوفير وبأي طريقة متاحة، هذه العولمة قضت على ما تبقى من الديموقراطية والتي رأت النور في أثينا منذ ألفي وخمسمئة عام. في هذا الواقع، والذي وقع لألف سبب وسبب، نادراً ما نحظى بقائد حقيقي. فالشعب، بعد أن أضحى مجموعة حشود، يُتلاعب به، فهو ضحية الأوليغارشيا، والتعدّد السياسي، من خلال الأحزاب، والنقاشات والمناظرات، والموالاة والمعارضة، غِشٌ ممنهج، وذَرٌ للرمل في العيون والعقول البسيطة، فالطُغمة المالية مُتحكمة بجميع مفاصل الدولة، والأدوار موّزعة بذكاء لا متناهي، والمخرجون يحرصون على إدارة اللعبة المسرحية بحرفيّة عالية، بحيث يصعب كشف الحقائق، وإن كُشفت، فمن يَجرؤ على المطالبة بالمحاسبة؟ أيها المواطن إخلع كفن ذُلِكَ، ودَحرج حجر تحرّرك كي تستحق هويتكّ!

****

(*) القيت في ندوة “لبنان شعب عالمي لوطن عالمي” في المركز الكاثوليكي للإعلام، 18 تموز 2019

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *