“ليلى والذّئب”

Views: 490

 أدهم الدّمشقي

لم أُصدّقْ يومًا أن ليلى بريئة، ولطالما شَككْتُ في أنَّ قبَّعتَها الحمراء النّمطيّة، تثيرُ غباءَ الذّئب، وتُوقظُ غرائزَه المتوحِّشة! تَدُلُّهُ على بَيتِ جَدَّتِها… يَبتلعُها… يَسجنها في بطنهِ ساعات، يأتي الحطّابُ ويخرجُها من السّجن… ثمّ يصيرُ الحطّابُ بطلا، وتصيرُ ليلى هي القضيَّة! 

لا يا ليلى! ما هكذا تُقطفُ الشُّهرة عن الشّجرة! 

هالةُ مريم الطّاهرة، لا تَستبدليها بقبعتِكِ الحمراء الحمقاء! ورداءُ المسيحِ المُضَرَّج، لا تُقايِضِيه بردائكِ الأحمر المُبَهرج! فلن تُسلّيكِ أغانيكِ السّاذجة وأنتِ تَتمخطرين في الغابة، فالذّئبُ يتربَّصُ تحتَ كلِّ شجرة… 

أنا لا يُعجبني “مشروع ليلى”، وكثيرًا ما أحسَسْتُ بالابتذال الذي تعكسهُ أغاني هذه الفرقة، وأفكارها المُجترَّة المُعلّبة المُستَوردَة من تجارب غربيّة سبَقتها في التّشويه والتّشويش والهذيان الفارغ… لكنّي أقدّسُ حريّة التّعبير، وأخجلُ من الذّئابِ التي تعوي في الغاب!

دائمًا، يسعى تجّار الدّينِ يا ليلى، إلى استعادة سلطتِهم الغابرة في القرون الوسطى،  فيستغلّونَ غيابَ القوانين والديمقراطية، لتنموَ سلطتُهم كالطّفيليَّاتِ فوقَ جَسدِ الحريّات المَنحورة باسم الأبويّةِ والسّياسة والدّين، في الأوطان المَسلوبة أبسط حقوق العيش والكرامة. 

لكن، ما هكذا يا ليلى تُكسر المُحرَّمات، بالاستفزازات الرّخيصة، والأفكار النّمطيّة الصّبيانيّة، والهذيان العشوائي المُشعوذ…

أمّا بعد… أنتم، رجال الدّين الذين تّدّعون أنّكم روحُ الخير والحقّ والسّلام، ما كانَ يَنقصُكم لو أنّكم سَجّلتُم موقفَكم بكلِّ حضارةٍ ورقيّ، من دون أن تستذئِبوا، أو تَستفرغوا لاوعيكم الطَّائفي السّلطويّ الأبويّ؟! 

بربّكم، عمّن تُدافعون، عن الذي صُلبَ صامتًا، ليحميَكم من أنفسِكم قبلَ أن يحميَكم من الآخرين؟

وقبلَ أن تهاجموا ليلى المُراهقة، وتعزّزوا فيها نشوةَ انتصارِ مشاغباتِها الرّخيصة، التي أشكُّ في أنّها مُفتَعلة، ومُستغلّة لتضليل مسرحيّة الموازنة، ولجرّ الرّأي العام إلى انقسامه الأعمى، بينَ مؤيّدٍ للسّخافة، ومُحرّض للقبليّة… لماذا يا تجار الدين لا تُقَدِّمون لنا البديل؟ وأيّ بديل؟؟!! وأنتم من تَرعونَ مهرجانات ومسرحيات بعض الأباء والتّجار الذين يتعمشقون على أكتاف المسرح الدّيني التّهريجي التّحريضي والغناء الهابط، وأنتم من تُجيّشون الحافلات والحافلات في  مُعظمِ مدارسِكم ومؤسّساتكم، وتسوقون الطّلاب بالآلاف إلى مشاهدة أفلام “البوشار” الرّخيصة، في دور السّينما التّجارية!!؟؟ ثمّ تتساءلون عن سبب انحطاط الأخلاق، وانحدار القيم، ورفض الأجيال للفنّ السّليم!!؟؟

سِيري يا ليلى في الغابةِ سِيري! واطمئنّي!  فطريقُك نحوَ الشّهرة الزّائلة قصيرة، وطريقهم نحو اللّه بعيدة.. 

فالذّئب في بلادنا يا ليلى، يدينُ القشَّة التي في عينِك، ويَصلبُ اللّه كُلَّ لحظةٍ على الخشبة التي في عينهِ. 

****

(*) نشر المقال في إطار حرية الرأي وهو لا يعبر إلا عن فكر صاحبه.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *