عن بشارة الأسمر و “غداً صباحاً”

Views: 177

روني ألفا

أين الاتحاد العمالي العام؟ تمرّ بمحاذاته على طريق النهر. مبنى كأنه من مخلَّفات السكوت.

أين المجلس الاقتصادي الاجتماعي؟  كلّفوهُ ثمَّ كفّنوه.

خطة طوارئ اقتصادية لم يرشح عنها شيء. فقط قليلٌ من زيتٍ طوباويٍ على صورِ مشارِكين كليي الطوبى. قليل من الزيت وكثُرٌ من المؤمنين. علامات متجددة لقداسة قديمة هي اختصاص الطبقة السياسية منذ ثلاثين سنة.

لا يهم إذا كانت جِراح الوَطَن بليغة . لا يهمّ أن ينضمّ جورج ” خاء ” إلى جورج ” زَين ” ليحترقا ببنزين ٩٦ أوكتان استوردته مافيا النفط شرعياً.

الفقر يحرق أكثر من البنزين.

إنما المهم إيجاد ذبيحة. ذبيحة تجمع جورج بأحمد وحَسَن بِمَعن وتحرقهما معاً.

أكثر الذبائح دَسَماً ذبيحة الإتحاد العمالي العام.

لا أحد في لبنان سيهتم بإضرامَ النار بالاتحاد العمالي العام طالما أن الحدث سيكون دائماً في تغطية لقاءات قمة بين السياسيين. لقاء تيمور جنبلاط بجبران باسيل أهم من احتراق جورج “خاء”. جورج لا يملك في الإعلام إسم عائلة مكتمل. “الخاء” اسم عائلة تحترق دون أن تثير حفيظة أحد. مثلها مثل الاتحاد. (pascuccirestaurant.com)

نحن في زمن الذبائح. المواطِن- الذبيحة المُعَدّ لإحياء قداديس الإفلاس. إفلاس أخلاقي وحضاري وسياسي واقتصادي. وديعة مليار وخمسمئة مليون دولار  لا تساوي موقفاً واحِداً من اتحاد عمّالي كان وديعة رَجاءِ المقهورين.

بشارة الأسمر هو أحد الذبائح السياسية. جنّاز نموذجي لأصوات العمّال والموظفين. تجديد البيعة يتمّ بنجاح لحناجِر الوقاحة والصلافة. قتلوا بشارة الأسمر على زلّة.

ألسِنة السياسيين قتلت وطناً عن بكرة أبيه. توارثوا الكراسي. رثّت فنجّدوها. تختخت فعالجوها بالغِري والمسامير. كلّ ما كان على الطبقة السياسية أن تضيفه هو حشوة من قطن الكذب.

عندما وقع بشارة الأسمر تبارى السياسيون بتغريداتهم على تويتر. كلّهم تحوّلوا إلى عشَّاق البطريرك الراحل. كلّهم بمن فيهم بعض من أهانوه على شاشات التلفزة على مرأى من العالم. قَتَلَة، سَلبَة أوطان وقنّاصو فُرَص سرقوا المليارات. هم أنفُسُهُم صاروا من الحافظين لِعظات البطريرك صفير ومن حماة ثغور الصّرح.

بالأمس القريب عاد بشارة الأسمر إلى البطريرك. في قلبه توبة. في يده إكليل. مَن مِن السياسيين حمل توبته؟ كَمْ من شهيدٍ ارتفعت على رفاته كاتدرائيات السلطة في لبنان؟ كَمْ من كذبة. من زلّة. من طعنة.

صلبوا بشارة الأسمر من دون مسامير. صَلب السُّمعة أخطر أنواع الصَّلب. المصلوب على هذا النحو لا يموت كثيراً ولا يحيا قليلاً. ما يكفي لتحنيط مطالب الناس.

آخِرِ معاقل الوَطَن الإتحاد العمالي العام. فيهِ مشروع صرخةٍ ودويُّ حنجرةٍ  ومدافع من عيار موقف. تمَّ إسكاتُه ليس على خلفيّة مؤامرة. على خلفيّة أن وجوده يعرقل الصفقة. الصفقة في كل المحافل لا تخاف إلا من الشعب. خصوصاً من الإتحاد العمالي إذا حمل عصا الخيزران.

بشارة الأسمر أو غيره. الاسم يتبدّل. الموقعُ هو الصخرة. السكوت عن دَفَن الإتحاد العمالي العام هو مشاركة في المراسم. شيءٌ من كرامة اللبنانيين يتمّ اغتياله بالتصرّف كأن شيئاً لم يكن.

بعد المغفرة التي نالها من البطريرك الكبير مار بشارة بطرس الراعي. بعد أن استبدل البطريرك الراحل الزلّة بالحَلَّة، صار معيباً الاستمرار بالمهزلة. الاستمرار بجَلد بشارة الأسمر.

إبحثوا عن الجلّادين لا عن المَجلودين. طبقة سياسية ما زال فيها بعض الحكماء. فَليُفتوا. ما زال فيها بعض التائبين. فَليَتوبوا.

الاتحاد العمالي العام آخِرِ ما يدلُّ على أننا دولة. في الظاهر على الأقل. عقد اجتماعات إنقاذ وإعلان حالات طوارئ ووضع خِطط إستراتيجية من دونه هو  إسقاط نصّ سوريالي على مسرح تجريبي. بعبارة أخرى تحويل الوَطَن إلى جسم من دون وظائف. إلى جثة سياسية واقتصادية.

أوّل ما يجب فعله هو انتخاب رئيس للاتحاد. رئيس يضع يده على الفساد دون أن يداعبه. اتحاد يعيد الأمل بعبارة “غداً صباحاً”. غداً صباحاً للسائقين والصيادين  والحِرَفيين والفلاحين والمزارعين والمعلمين والموظفين.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *