صدور الترجمة العربية الكاملة لكتاب “هبوط في الصحراء” للدكتور علي شريعتي

Views: 1205

أقامت “دار الأمير للثقافة العلوم”، حفل تدشين للترجمة العربية الكاملة لكتاب “هبوط في الصحراء” للمفكر الدكتور علي شريعتي، برعاية وزير الثقافة الدكتور محمد داود داود ممثلا بمستشاره الدكتور أحمد نزال، على مسرح جمعية التخصص والتوجيه العلمي، بحضور شخصيات نيابية وديبلوماسية ودينية وحزبية وأكاديمية وثقافية واعلامية.

نزال

بداية النشيد الوطني، فتقديم من الإعلامية فرح الجراخ، ثم قال ممثل وزير الثقافة: “الدكتور علي شريعتي مفكر رؤيوي ونهضوي، نظر بعينين مفتوحتين على قضايا العصر، انطلاقا من رؤية دينية منفتحة، قائمة على الحوار وقبول الآخر المختلف، راسخة بالعقل الواعي لما يحيط به، ممددا عقله لاستيعاب القضايا المركزية ومحاورتها، هذا العقل الذي بقي في تمدده يعالج السائد فينفض عنه غبار الأحكام المسبقة، ويقيسه بمسافات الوعي والحرية في التفكير، ويزين الأمور بميزان المنطق الرصين، ويعيد إنتاج الماضي بصورة المستقبل الواعي الذي يدرك حجم الأخطار المحدقة مبتدئا بالمستوى الديني، ولا ينتهي بالمستوى الفكري الإنساني”.

أضاف: “نعم، منذ حوالى ثلاثة عقود، تواصل دار الأمير ترجمة مؤلفات المفكر الإيراني الدكتور علي شريعتي ونشرها، إيمانا منها أن حفظ التراث، هو أولا حفظ للذاكرة الإنسانية الجماعية، وثانيا هو الدلالة الراسخة للفهم الديني الجديد بلغة الانفتاح والوعي، في زمن التشدد والتطرف. إنه عمل دؤوب، قام به فريق مسؤول، وجهد متراكم، أوصلنا بعد سنوات، إلى نسخة عالية الجودة بكل المقاييس في عالم النشر والطباعة والتوزيع”.

خامه يار

بدوره، قال المستشار الثقافي للجمهورية الإسلامية الإيرانية في لبنان الدكتور عباس خامه يار: “في البدء لا بد من رسم هذه الصورة، بتلوين أفكار من اجتمعنا للحديث عنه حيث يقول: “إن الذين استشهدوا قاموا بعمل حسيني، وعلى الباقين أن يقوموا بدور زينبي وإلا فإنهم يزيديون…”. أجل، من هذه العبارة وعلى هذه القاعدة انطلق المرحوم الدكتور علي شريعتي ليكون شاهدا على عصره، وشاهدا على صراع الحق والباطل في مجتمعه، انطلق شريعتي كما شهداء عصره، آيات الله مطهري وبهشتي وطالقاني في تربية وإعداد جيل كامل من الشباب المؤمن، الجيل الذي اصبح في ما بعد عماد الثورة الإسلامية التي قادها الإمام الخميني قدس سره الشريف، ومضى عليها الشباب إلى يومنا الحاضر بقيادة الإمام الخامنئي. وبهذه القاعدة يمكننا اختصار الكثير من المفاهيم الثورية التي أسس لها شريعتي، جهادا ونضالا وفكرا حتى دفع حياته ثمنا لهذه الأفكار لأنه وببساطة، لم يضح بالحقيقة من أجل المصلحة”.

أضاف: “ما عايشته شخصيا من تأثير مذهل لأفكار الدكتور شريعتي على جيل الشباب في إيران لمسته بوضوح حيث كنت حينها طالبا في الثانوية ومن ثم في الجامعة. ومن هذا النبع العذب وقبل كل شيء أخذت غرفة تحت عنوان “هكذا كان يا أخي”، وهي المحاضرة المطبوعة للدكتور شريعتي التي أبكتني ليلة كاملة وحتى الصباح. الصباح الذي كان البوصلة في تغيير مسار حياتي، وكان هذا قبل انتصار الثورة الإسلامية بأربع سنوات. ثم انتقلت إلى الجامعة، وبدأ المشوار الصعب، حيث كانت كراسات محاضرات الدكتور شريعتي تنتشر بين الطلاب انتشار النار في الهشيم ولكن بسرية تامة طبعا، لأن من يضبط ومعه أحد كتب أو كاسيتات شريعتي كان الاعتقال مصيره ورجال السافاك بانتظاره. نعم، إن تداول كتب شريعتي كانت جريمة كبرى وذنب لا يغتفر آنذاك، ولكن وبرغم كل ذلك كان الجامعيون والمثقفون والثوريون الشباب يتداولونها بحماس منقطع النظير نشرا وإعارة بين بعضهم البعض، لأنها كانت تعبر عنا، عن هواجسنا، عن آلامنا، عن تطلعاتنا، عن ثورتنا وعن الظلم وكيفية مواجهته بأسلوب نفهمه بعقولنا وقلوبنا، خاصة وأنها كانت تواجه موجة الفكر الإلحادي الذي أريد لها أن تجتاح الساحة الثقافية في الجامعات الإيرانية فترة من الزمن، فكانت محاضراته وكتبه القيمة تهرب إلى الجامعة داخل الصحف أو المجلات، وما أن نصل حتى نخفيها عن الأعين في المصليات، ولفرط تأثيرنا بها كنا نتوضأ مرات ومرات لنفاخر بانتمائنا الى عقيدتنا كإسلاميين ونجاهر بصلواتنا أمام ذلك المد الإلحادي الجارف”.

وتابع:”لكن كل هذا لا يعني أن فكره يخلو من ملاحظات، ولا يخضع لمناقشة في بعض آرائه، لأن كل مفكر يخطىء ويصيب، ويؤخذ منه ويرد عليه، وشريعتي نفسه يقر ويعترف بهذا خاصة في وصيته للعلامة المعاصر الأستاذ الكبير محمد رضا حكيمي والمنشورة في كتابه المحتفى به الآن، وبكل تواضع وصدق وألم، حيث يقول: “وبعد.. يا أخي! لقد مشيت في هذه الطريق على قدر استطاعتي ومقدرتي، ورغم أني ضحيت بكل ما أملك، إلا أني أخجل من حقارتي وعملي، وفي مقابل العديد من “الشباب” أشعر بالدونية..، فإن وجعي وألمي الوحيد هو “أنني لم أتمكن من إتمام عملي؟” إنها لحسرة سوف تبقى معي، غير أن وجعي الآخر هو أن الكثير من أعمالي الأصلية بقيت حبيسة الزمان، لنفس السبب دائما، وتهدد بالإتلاف، وما تم نشره لي قد طبع، بفعل عدم توفر الإمكانات وقلة تواتر الفرص، من دون تدقيق وبصورة رديئة وعلى عجلة وبكثير من الأخطاء. كل ذلك ينبغي إعادة النظر به، وأن يتم تكثيفه من الناحية العلمية وإثراؤه، وتصحيحه معنويا ولفظيا وطباعيا”.

وأردف: “هذا هو علي شريعتي، المفكر المسؤول، والشخصية الإشكالية، والمنتقد لنفسه قبل الآخرين، والذي عاش فقط 44 سنة لا غير، وإنني على يقين أنه لو كان بيننا الآن، ومن خلفيته الفكرية والثورية المناهضة للاستبداد والاستعمار وعلاقته الكبيرة بالثورات والحركات التحررية والثورة الجزائرية بالتحديد وكما يقول الإمام المغيب السيد موسى الصدر بأنه مصدر الالهام للكثير من الحركات الاسلامية، لكان اليوم أول المدافعين عن المقاومة في لبنان وفلسطين، ولكان رأس حربة فكرية في مواجهة طاغوت وطغيان النظام الإستكباري والكيان الصهيوني”.

وختم: “نعم هذا هو علي شريعتي، الذي نحن نجتمع اليوم لإطلاق النسخة العربية الكاملة لأحد أهم كتبه وآخرها وهو كتاب “هبوط في الصحراء”، التي عنيت بنشره دار الأمير الموقرة ضمن سلسلة الأعمال الكاملة والقيمة لهذا المفكر الفذ والتي تصدرها تباعا منذ العام 1992”.

شرارة

من جهته، القى واصف شرارة كلمة المنبر الثقافي في جمعية التخصص والتوجيه العلمي، فقال: “ما يميز هذا الكتاب عما سبقه أو لحقه، أنه الكتاب الذي كان يحمله المجاهد الشهيد الدكتور مصطفى شمران معه إلى تلة مسعود في أطراف بنت جبيل حين كان يلتقي بالمجاهدين المدافعين عن ثغور الوطن. هذه الصحراء التي كتب عنها هي ليست بصحراء بل هي غنية بعالم الفكر والفيض، صحراء رفعت من قرأها إلى السموات وأوصلته بالأزل وبالأبد وسمع فيها نداء العدم وأذابت جوهر وجوده ووضعته أمام شمس الحقيقة الحارقة. فكم نحن بحاجة أن نستلهم من هؤلاء طريق الصواب لإقامة دولة الحق والعدل والإيمان في هذا الزمن الرديء الذي نشهد فيه صيحات التكبير تعلو في غير مكانها”.

ميرزاده

أما كلمة المترجمين، فألقتها مريم ميرزاده التي شكرت “دار الأمير” والمترجم الدكتور ياسر الفقيه، وقالت: “سلام على الذي قرأته بالفارسية فسمعت صوته القادم من أرض الشعراء موطني، وأسرني حنين إلى عفة أزقة مزينان الترابية في صحراء سبزوار القصية. وقرأته بالعربية فراحت الفكرة تتبدى في ذهني بروح تحكي بلساني، تقارب روحي، فدنوت منه أكثر. رأيته في قلب عتمة قاسية يكتب بقلم متآكل على ضوء شمعة سماها “شاندل” فكانته وكانها، شمعة بحق في ليل وحدتي، رسمت نوافذ لجناحيه، فتعلمت سبيل الاستغناء، الحرية”.

أضاف: “سلام على الذي صاغ حكاية الخليقة، فما كان أجمل رب الأرباب في مشهدية قصته. هناك حيث الطينة الأولى مادة من طهر، يجوس هو بطينته الطيبة خلال صنوف الخلق، فلا يفهم تمايز البعض شياطين وآخرين ملائكة إلى بالعودة إلى نقطة البداية، ما قبل الهبوط الأعظم. الذي جمع سارتر وكامو وكافكا، وأدورنو وهيغل ودوستويفسكي وأورويل، ثم ماسينيون وتوما الإكويني وفانون، ثم كثيرين وكثيرين. وجمع الأديان فرأيت في قرية هندوسية مسجدا من تراب لونه أزرق، كان نقطة عروج روحه صوب المعنى. هكذا علم عشاقه دروس الزهد والتواضع، بعيدا عن نفاق الترف، وزينة الكذب الباذخة”.

وختم: “على خطى كل الغرباء الأحرار المتألمين المتكلمين الصامتين، المنتظرين المشتاقين الثوار المحمديين، أرجو لكم هبوطا آمنا في صحراء العاشق العابد، علي شريعتي”.

بزي

وكانت الكلمة الختامية لمحقق الكتاب الدكتور محمد حسين بزي قال فيها: “سنتان من عمر شريعتي قضاهما في تأليف هذا الكتاب بقسميه: “هبوط” و “الصحراء”. سنتان من عمر شريعتي حفرتا فينا هذه الدهشة المستمرة في استقراء وقراءة الدين والإنسان. وأنا أيضا، سنتان من عمري قضيتهما في تحقيق ومراجعة وضبط هذا الكتاب. سنتان من الألم والأمل، من الحزن والفرح، ومن الحيرة والغربة. سنتان جانبت -وأحيانا أهملت- فيهما عملي ودرسي وكتبي، وحتى أسرتي لأفرغ ما أمكنني من وقت لهذا الكتاب”.

أضاف: “لئن تحقق كتابا لعلي شريعتي يجب أن تكون سباحا ماهرا، فكيف إذا كان “هبوط في الصحراء”؟ حيث هنا عليك أن تسبح في الرمل الحارق والغبار الملتهب تحت شمس متأهبة. حافي القدمين، عاري الجسم، لا ماء يروي، وأحيانا لا هواء يكفي، لكن في كل الأحايين لا ثمار سوى شوك المعرفة في شوق المناجاة. لكن الذي قد قلبي وعقلي وروحي وجعلني أمشي وأسبح وأطير في آن واحد، كان أنين علي في آبار نخيل المدينة”.

وتابع: “إن هذا الكتاب خاصة في القسم الأول منه “هبوط” لا ينبغي أن يؤخذ على حرفيته في الكثير من فقراته، بل يجب أن يحمل على التأويل، لأن لغته العرفانية والرمزية عالية حد الصدمة الباعثة على التدبر والتفكر في معظم الآداب والفلسفات والأديان التي استطاع شريعتي هضمها وإعادة بثها بلغته الخاصة. أيضا يجب التمييز -وحتى أثناء التأويل- بين الأفكار المنسوبة لأصحابها وبين أفكار وآراء شريعتي نفسه، وإلا لكفر الرجل وكفرنا معه بلا ريب، وهذا ما أشار إليه الشهيد مصطفى شمران في أكثر من مكان”.

وقال :”إن آراء شريعتي ليست نهاية العلم، وليست آراء بتية قاطعة، وكما تفضل سعادة المستشار، هناك الكثير من النقاش في بعض آرائه، بل ويجب النقاش فيها، ولكن على قاعدة الاحترام العلمي ومواجهة البحث ببحث، والدليل بدليل، ونحن في دار الأمير كنا ولا زلنا منذ العام 1992م. على أتم الاستعداد لنشر أي رد علمي موضوعي بعيدا عن التجريح الشخصي والنيل الاستباقي، وإن هذا الأمر يفرحنا وأقطع بأنه يفرح شريعتي في قبره”.

وأخيرا، شكر المترجمين الفقيه وميرزاده، والجنود المجهولين الذين تابعوا وصححوا هذا الكتاب في بدايات الترجمة، ولا سيما العلامة الشيخ منذر الفقيه، والأستاذة هناء أحمد جابر”.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *