الالتزام في أدب الروائيّة لطيفة الحاج قديح

Views: 1082

راضي علّوش

(جمعيّة تقدّم المرأة / كفر جوز /النبطيّة)

     الالتزام في أدب الروائيّة لطيفة الحاج قديح من خلال رواية “آخر النفق” موضوع على جانب كبير من الأهمّيّة. وبما أنّ ما لديّ من الوقت لا يتجاوز دقائق معدودات فقد رأيت أن يقتصر الحديث على إشكاليّة الالتزام والحرّيّة.

     ليس من داع التوقف عند مقولتي الفن للفنّ والفنّ رسالة تغليبًا لإحداهما على الأخرى، ذلك أنّ الخوض في هذه المسألة لم يعد يجدي نظرًا لما شهدته من نقاشات وجدليّات حادّة ضاقت بها كتب النقد.

     الالتزام مصدر للفعل “التزم” الذي هو من الأفعال الثلاثيّة المزيدة “افتعل”. وهذا المصدر يتضمن معنيي المطاوعة والاتخّاذ أو الاعتماد. ومن الطبيعي أن نلاحظ فرقًا كبيرًا بين هذا المصدر ومصدر “إلزام” الذي هو مصدر للفعل الثلاثيّ المزيد ألزم “أفعل”، والذي يعني الإكراه والإجبار.

     أمّا الحرّيّة فهي نقطة ارتكاز جميع المفاهيم والقيم الفنّيّة بحيث لا يؤخذ بأيّ منها إذا كان في تعارض معها. ولمّا كان الالتزام فعلاً نابعًا من الذات فإنّ رسالة الفنّ، على هذا الصعيد لا يمكن أن تتناقض مع الحرّيّة التي تشكلّ جوهر العمل الفنّيّ المطلق.

 

     تسارع الروائيّة لطيفة الحاج قديح في رواية آخر النفق إلى تقديم أوراق ثبوت التزامها منذ الصفحة الأولى على لسان بطلتها ولسان حالها  porte paroleفاطمة علم، ليتبيّن لنا أنّ ذلك الالتزام ثنائيّ في جوهره وطبيعته : المرآة والمقاومة. “نعم المقاومة، ذلك البرعم الأخضر الذي يجعلنا نتمسّك بالأمل، الأمل في دحر المحتلّ وردعه، وتلقينه درسًا قاسيًا حتّى لا يتجرّأ علينا مرّة أخرى، فتعود لنا الحياة الحرّة الكريمة… وهم لا يعرفون أنّ دور المرآة في المقاومة قد دخل التاريخ، وكان غنيًّا بالعطاء والدروس والإنجازات، حتّى بات يمثّل رصيدًا هامّا لها، وبات بإمكانه أن يكون منارة مشعّة تستضيء بها الأجيال القادمة في مواجهة العدوّ الصهيونيّ ومخطّطاته الاستعماريّة”. وفي ذلك الإطار من الثنائيّة التوافقيّة تتوالى أحداث الرواية منذ بدايتها وحتّى آخر فصل من فصولها. فصورة المرأة المقاومة تغطّي مساحة النص الروائيّ بكامله. وإلى جانب المرأة اللبنانيّة المقاومة تبرز المرأة الفلسطينيّة والمصريّة وغيرهما من النساء العربيّات المنتميات إلى غير قطر من الأقطار العربيّة. وكذلك فإنّ الكاتبة ألمحت إلى الإجماع الوطنيّ والقوميّ على مقاومة العدوّ الصهيونيّ من خلال ما توحي به أسماء المعتقلات اللواتي شاركتهنّ فاطمة علم سجن الاعتقال في الرملة داخل الأرض الفلسطينيّة الممغتصبة (فاطمة، جوزفين، ليلى، عبلة، جاكلين…).

 

     في “آخر النفق” تطالعنا ثقافة المقاومة مستندة إلى جملة من الوسائل والوسائط أبرزها:

+ الثقافة الدينيّة الإسلامية المنفتحة دائمًا على العقل

+ الثقافة التاريخيّة التي ترصد تاريخ العدوّ الصهيونيّ التآمريّ على الأمّة العربيّة

+ فضح أساليب الصهاينة في التفريق بين الدول العربية وشعوبها والتصدّي للأفكار والآراء المحبطة التي تحمّل الشعب الفلسطينيّ مسؤولية التخلّي عن الأرض الفلسطينيّة وبيعها للصهاينة

+ استيحاءُ شخصيّاتٍ نِسويّةٍ رائدةٍ في في تاريخنا العربيّ الإسلاميّ القديم والحديث

      في “آخر النفق” فتحت الروائيّة لطيفة الحاج قديح باب ضمير نون النسوة بحرفه الأوحد لتتبدّى لنا مقامات رفيعة سامية لم تكن حكرًا على جماعة ذكور العقلاء التي تشير إليها الميم أو واو الجماعة.      

     وأختم مطالعتي المتواضعة ببضعة أبيات من شعري المتواضع:

 كـم يـزدهـي في ثـوبه هذا الأثـرْ       إذما تراه قـد ارتـدى ما يُـبـتَـكـرْ

   وتراه يُبدي من خصائص حُسنه        ما يُستـفـاد من المعاني والعِـبـرْ

 وجـديـدُهُ نــونٌ تـجلّى شـأنــهــا         في كلّ حـقـلٍ يانعٍ فـيـه الثـمــرْ

    وجمـيـلـه أنّ الجمال حـكــايــة         فيها لطيفةُ أحكمت صُنـعَ الخبرْ

           فيها لطيفة أودعت من حِسّهـا          آياتِ حُسـن ليس يُخطئها النظرْ         

                                                                

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *