لا تُنـكِّسوا الإِعــلام

Views: 389

الوزير السابق جوزف الهاشم

   ماذا.؟ أَتسكُتُ والأذى يتكلَّـمُ   فانطِقْ  نذْرتُك للحقيقةِ يـا فـمُ

  الشـرُّ يعجـزُ أنْ  يحطِّـم فكـرَهُ   الفكـرُ  مثلُ  اللـهِ  لا يتحـطّمُ .

  الإِعلامُ كما الأَعلامُ هما رمـزٌ للحرّيـة ، وكلُّ مَنْ حاول التحرُّشَ بحوريِّـة الحريّـة طاردتْـهُ الأفاعي من فردوس السلطة …

  تستطيع السلطةُ ، السلطةُ الجائرةُ العاتيةُ الفاسدة ، أَنْ تحطِّـم شعباً ، أنْ تدمِّـر بلداً ، أن تكفَّـر ديناً ، وأنْ تستبيح قانوناً ولكنّها إنْ حاولتْ أن تتصدَّى للإعلام تتحطّم هي ، الفكرُ مثلُ الله لا يتحطّمُ .

  مِـنْ قيصر روسيا ، الى هتلر ، الى نابوليون ، وعبد الحميد الثاني ، وموسوليني الى كاسترو ، حاولوا أن يُخيفوا الصحافة فأخافتْـهُمْ …

  القلم “أقبحُ من الشيطان” في مملكة القيصر ، وهو “بوابـة جهنم” في نظـر كاسترو … وعبد الحميد ، كان يتمنّى لو “وضع محرري الصحف في آتون النار”…

  ونابوليون عندما وضع الصحافة تحت رحمة مـدير الشرطة ، بـدأت الأمبراطورية النابوليونية بالإنهيار .

  الحرية السياسية هي أمّ الحريات ، إذا سقطت تهاوَتْ معها الحريات الأخرى التي يحـدّدها علم النفس : حريـة الإرادة ، والحريـة النفسية، والحريـة الطبيعية ، والحريـة الأخلاقية ، وتنتهي الحريـة المدنية في قبضة الحاكم المستبـدّ .

  نحن ، في لبنان تحديداً ، الحريـة السياسية والإِعلامية عندنا ، كالروح للجسد ، من دونهما يصبح الوطن مقبرةً للجثث الحيّـة ، ليس لأن لبنان في عمقه التاريخي موئـلٌ للحريـة فحسبْ ، بـل لأننا في وطـنٍ تقهقرت الدولةُ فيـه الى الخلْـفِ المتخلِّف في التاريخ السياسي القديم ، حيث كان الملك شبه إلـه ، ثـم كان الحاكم والخليفة والأمير والزعيم والوزير ، وقـد ارتقوا سلَّـم المجد على جماجم العبيد .

  الحكم عندنا ديمقراطية ديكتاتورية ، حكومة تحكم ، ومجلس يبصم ، كلُّهم مـن أهل بيـتٍ واحد ، يرقصون على وقع طبْـل ربِّ البيت ، لا مراقبة، لا محاسبة ، يرتكبون الفضائح ، ويتستَّرون بأوراق التين .

  الديمقراطية بلا مراقبة ولا معارضة هي حكم الرعاع كما يقول أفلاطون .

  في إنكلترا المعارضة كانت تقبض معاشاً يستقيم بها الحكم ، عندنا تقبض الموالاة معاش المعارضة كبدل عن ضائع .

  الدول الديكتاتورية المستبّدة تقطع لأصحاب الأقلام مذكرات توقيف ، حتى وإنْ لم يكتبوا ..

  إذا مورِستْ هذه الأوامر البوليسية في هذا اللبنان ، فسلّموا على هذه المرحومة التي إسمها الدولة ، وانتظروا ثورة شمشون وسقوط الهيكل عليه وعليكم..

  في وطـنٍ كلُّ ما فيه فواحش ، يحتاج الكاتب الصحافي الى أصابع إضافية ليتمكّن من إستلحاق مآسي البؤس والفساد ، وإلاّ فالسيفُ أصدقُ إنبـاءً من الكتبِ” .

  ولكنّ الأقلام التي تتجـنّد للحريـة ، عليها أيضاً أن تكون متحررة من إغراءات المصارف والسفارات والزعامات وتجّـار الرقيق ، القلم يكتب على الأوراق البيضاء لا بالأوراق الخضراء ، وصريـر الريشة الذهبية ، أعظم من رنين الـذهب وأكـرم .

  عندما تُـنْتهك السلطات الثلاث ، فلا يبقى من مجال للإنقاذ إلاّ السلطة الرابعة .

  نعم … هكذا قال خطيب الثورة الفرنسية ميرابو : “إنَّ السلطة الرابعة هي المسؤولة عن الحريـة وحقوق الإنسان أمام الأمـة والتاريخ” .

***

(*) جريدة الجمهورية  11 /10 /2019 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *