قراءة  في المجموعة القصصية “الثالثة بعد منتصف الليل” لمشلين بطرس 

 د. فتحية دبش/ تونس

مجموعة قصصية للكاتبة اللبنانية مشلين بطرس، صدرت سنة 2019 عن دار أبعاد بلبنان، و قد وردت في 93صفحة. احتوت المجموعة على قسمين. قسم أول ضم نصوصا قصصية قصيرة و قسم ثان ضم نصوصا قصصية قصيرة جدا، كما احتوت على مقدمة بقلم الباحث حنا الديراني.

اشتغل الأستاذ حنا في مقدمته على ” تكثيف الفعل القصصي و البناء السردي” و هو اشتغال ذكي يجمع بين النوعين القصصين على اعتبار أن التكثيف واحد من أهم خصائص الكتابة القصيرة و القصيرة جدا.

تصدّر القاصة مجموعتها بإهداء تقول فيه: ” إلى كل من لا يضع عينيه في منظار رؤية واحدة.”

في هذا الإهداء نجد: [عينيه، منظار، رؤية]. في سطر واحد هناك كلمات ثلاث تصب في نفس الحقل الدلالي و هو البصر. و في ذلك دعوة صريحة من الكاتبة إلى إعادة حاسة البصر إلى وظيفتها الأولى و هي الاستدلال على الشيء قصد معرفته، باعتبار الصورة التي نتوصل إليها عبر البصر. و تؤكد ذلك بأمر ضمني مفاده أن نتفادى النظر إلى الأشياء من زاوية واحدة. و كأنها بذلك تلفت النظر إلى كون التفريط في تعدد الرؤى هو تفريط في المعرفة الحقيقية التي شغلت و تشغل لا تزال كل الميادين.

فالعمى الحقيقي من خلال هذا الإهداء ليس العمى المادي الناتج عن إعاقة فيزيولوجية و إنما هو ذلك الناتج عن الاقتصار على “وضع العينين في منظار رؤية واحدة.” و عليه كانت المجموعة بعامة رؤى متعددة أو رؤية من منظار متعدد الزوايا، تكشف علل المجتمع و تطرح قضايا جمة، لا من أجل رفض منظومة كاملة و إنما من أجل إيجاد رؤية نقدية لا تزال تحارب لتكون. ذلك أن الثقافة المعنية بالنقد هنا تمنح ذاتها حق نقد الآخر و تمنع الآخر عن حقه نقدها و تتعامى عن نقدها الذاتي.

هناك تراكم للقضايا و الاهتمامات في هذه المجموعة إذ لم تحاول الكاتبة تخصيصها لثيمة معينة حتى و ان كانت في المجمل تصب في خانة النقد لمجموعة من التمظهرات المجتمعية في تعاطيها مع المرأة كما في نص [ مساواة ص61]و الدين [ دعوشة ص57 و مؤمن ص49] و السياسة [ الثالثة بعد منتصف الليل ص37].

لئن كان التناول الثيمي في المجموعة متاحا لثرائها و تنوعها فإن التناول البنائي لا بد فيه من التوقف عند نوعين قصصيين القصير و القصير جدا مما يبشر بكونها مجموعة تستحق التوقف عندها و دراسة خصائص كل من النوعين و تقنياتهما ما كان منها مؤتلفا و ما كان مختلفا..