بالتي كانت هي الداء

Views: 592

خليل الخوري 

لفتني كثيراً الكلام القاسي الذي وجهه الرئيس سعد الحريري الى الشركات المستوردة النفط، ملوحاً بأن تستورد الدولة المحروقات مباشرة. وقيل إن في ذلك وفراً لا يقل عن 500 مليون دولار.

ولانّ «الشيء بالشيء يذكر» وددت أن أتناول في هذه العجالة مسألة استيراد الدواء من الخارج.  ولا شك في أنّ المواطن، المرهق بتكاليف الحياة التي باتت غير مقبولة أو محتملة لن يكون متعاطفاً مع كارتيلات الدواء…

أولاً – دول كبرى، ومتقدمة، كبريطانيا وفرنسا يجري التداول فيها بنحو 750 صنفاً من الدواء، أما نحن في لبنان فالباب مفتوح على مصراعيه لنحو 7000 صنف! وهذا كلّه تحت شعار الاقتصاد الحرّ! فهل اقتصادنا أكثر  حرية من الاقتصاد الفرنسي أو الاقتصاد البريطاني؟ وهل نحن أكثر حاجة الى الدواء من شعوب تلك الدول بعشرة أضعاف؟ ولا نجري مقارنة بين عديد شعبنا وشعوب الدول المتقدمة والحضارية بما فيها الشعبان الفرنسي والبريطاني؟ وهل خبراء الصحة عندنا أشد وعياً لضرورات ومستلزمات صحة شعبنا؟!

ثانياً – عندنا، في هذا الوطن، مصانع أدوية بعضها على أرقى المستويات بشهادة مؤسسات الرقابة الصحية في أكبر بلدان العالم. فلماذا لا نعزز صناعة الدواء الوطنية ونوسّع نطاقها ليس فقط لسد حاجة الاستهلاك الداخلي، وانما ايضاً وخصوصاً للتصدير على قاعدة المنافسة.

ثالثاً – هل ثمة إحصاءات عن كميات وأنواع الأدوية التي يأتي بها المواطنون من بعض بلدان الجوار، وبالذات من تركيا التي يخضع الدواء فيها لمواصفات الاتحاد الأوروبي، حتى وإن لم  تكن أنقرة، بعد، عضواً في هذا الاتحاد؟ على صعيد شخصي  لا نملك الإحصاءات الدقيقة إلاّ أننا على ثقة بأنّ الرقم كبير. فلو كانت عندنا صناعة دواء لما ذهبت ثروة كبيرة الى خارج البلد ثمن الأدوية بأسعار يمكن وصفها بأنها «بخسة». علماً أن نحو مليون لبناني يزورون تركيا سنوياً (بين سياح ورجال أعمال) وأكثريتهم الساحقة يتزودون بالأدوية من هناك، إن لم يكونوا جميعاً يأتون بها لهم ولذويهم ولمعارفهم.

رابعاً –  قريب لي جاءني ببضعة أدوية (مزمنة) تخدمني طوال ثلاثة أشهر. والأدوية الثلاثة سدد ثمنها عن الأشهر الثلاثة ما يوازي هنا ثمن دواء واحد منها لشهر واحد!

خامساً وأخيراً وليس آخراً – أعرف صديقاً لي أدى دخوله أحد المستشفيات الى تسرب جرثومة مؤذية الى جسمه، فوصف له  الطبيب المعالج (في مستشفى آخر «كبير») مجموعة حقن عددها 12 إبرة لعلاج يستمر ثلاثة أشهر، وكان الثمن يبلغ نحو عشرة ملايين ليرة! لنا صديق مشترك هو طبيب شاب أخبرته بــ»الواقعة» فطلب مني أن أدعو صديقنا المصاب بالجرثومة الى التريث. ثم تناول الحاسوب وعكف يبحث فيه طوال نحو ساعة ليهتف:  وجدتها. ثم قال لي قل لصديقنا أن يشتري هذا الدواء (كبسولات) لأن فيه الخصائص كلها الموجودة في الحقن…

والمفاجأة السارة أن دواء الكبسولات (طوال أسابيع العلاج) لا يكلف أكثر من خمسين ألف ليرة! أجل فقط خمسون ألفاً لا غير، بدلاً من الملايين العشرة!

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *