نهاد الحايك تسأل: مَن أنا؟

Views: 488

لامسَت سطورُ قصيدتها قلوبَ وفكرَ الحاضرين في مؤتمر “استراتيجيات مبتكرة لتمكين المرأة” (البحر الميت، الأردن، 25-28 آب/أغسطس 2019)، لأنها عبّرت ببلاغة الشعر وصوره وسحره عن هموم نساء ورجال جاؤوا من 13 دولة عربية لعرض تجاربهن وتجاربهم في إحقاق حقوق المرأة وتمكينها، وتحليل الحواجز التي تعيق الطريق. فقد حرصت السيدة مي الريحاني مديرة كرسي جبران في جامعة ميريلاند الأميركية ومنظِمة المؤتمر، على إدراج الفنون الهادفة والتعبيرية الداعمة لقضية المرأة في برنامج المؤتمر المؤلف أساساً من ندوات ونقاشات شاملة لكل جوانب قضية المرأة. وطلبت من كل وفد أن يقدم عملاً فنياً يجسد القضية التي يعمل لها. وهكذا خصصت في المؤتمر مكاناً للشعر، وألقت الشاعرة اللبنانية نهاد الحايك قصيدة بعنوان “مَن أنا؟” عن حال المرأة في الشرق وإحساسها بمكانتها وقدراتها وتطلعاتها. الشعر الهادف يسلك الطريق جنباً إلى جنب مع المناضلات والمناضلين لتحقيق العدل والمساواة وتكافؤ الفرص للمرأة وضمان مشاركتها في كل المجالات إلى أعلى المناصب القيادية وصنع القرار، وهو يحاكي وجدانهم ويعبِّر بلغته المُصَفّاة وصوَره المكثفة عن همومهم وأحلامهم، ويؤجج هممهم.

***

 

مَن أنا؟

نهاد الحايك

لستُ في الإطار صورةً

للجذبِ أو للكسبِ أو للمراودة،

لستُ في الأعرافِ عورةً

للسَّترِ أو للبترِ أو للمزايدة…

امرأةٌ أنا، ممتلئةٌ وجودًا،

ولي أن أنقضَ الدورَ المرسومَ

دوائرَ حول عنقي،

أن أوقظَ العقولَ الهامدة

أن أحرقَ الورودَ الفاسدة

الـمُعرِّشة فوق طرقي…

في لغتي أنا فعلٌ وفاعلـــة

ولي أن أكونَ

صوبَ مشارفِ النور رائدة…

 

امرأةٌ أنا، للشمسِ وجهي مُشرعٌ،

لكني بإرثٍ من الظلم حُبلى…

سِفرُ التاريخ من أحشائي طالعٌ،

فكيف أرادوني على ثغر التاريخ

مجرّدَ قُبلة؟

 

لستُ الابنةَ الخاضعة

ولا الأختَ الطائعة

لا الزوجةَ الخانعة

ولا الأمَ القانعة…

كُنْهُ الحياةِ أنا لا ضِلعُها،

من ينابيعي تترقرقُ

كَينونةُ البشر،

حناني يـُخصِب الصحاري،

ولـمّا أزلْ إلى العدالةِ جائعة…

 

أنثى أنا الأرضُ أمي،

تختمرُ فيَّ كرومُ العشقِ

ينعقدُ في حقولي قمحُ الغدِ

ويشمخُ على تلالي الشجر…

أنثى أنا، لا ناقصة،

لا يكمِّلُني،

ولا يتملَّكني، الذَكَر…

معًا نزرع ونحصد معًا

ثمارَ زرعنا اليانعة…

فأنا الأمُ

وأنا الزوجةُ

وأنا الأختُ

وأنا الابنةُ

وقبل وعند وبعد،

أنا المرأةُ

من غير الصِفات التابعة.

 

لستُ جَـمالًا لذيذًا يُذكرُ

ما دام جمالًا أخرسْ،

لستُ خيالًا طليقًا يـَخطرُ

في بال الرجال

وفي معنى الأنوثة يُؤسَرُ،

لستُ تمثالًا

بأصابع الشهوةِ يُلمَسْ

وبغضبةِ ذُكورةٍ يُكسَرُ…

أنا المرأة،

عُجِنتُ بماء الحقيقة

وملحِ الألم،

أنا الرفيقة،

وحضوري ليس مقصورًا

على الجسد…

أرسمُ طريقي بعقلي

بيديَّ أحفرُه

وقراري،

لن يُصادره أحد…

لن أسمحَ لِذي يدٍ

بِـحرقِ كُتبي،

بِغلقِ هُدبي،

ولا بِكسر أقلامي…

لن أسمحَ لسيدٍ

بزرع القيودِ

وصَفِّ الجنودِ

على دربي،

ولا بِوَأْدِ أحلامي…

 

من الشرق أنا،

شرقي الغاربِ في الأحزان،

أرضَعوني حليبًا بالخوف مُدَعَّمًا،

طعَّموا غذائي بملح النقصان.

في خانة الضعف

جعلوني مُصنَّفة.

أخبّئ صوتي في رئتيّ

وناري تحت جلدي،

مُلامةً أعيشُ

وقد أموت مُعنَّــفة…

كيف هذا والميادين تعرفني،

قلبُ الثوراتِ أنا وعقلُها الـمُغيَّب

حنجرةُ الحراك أنا وصدرُه الـمُخَضَّب…

لستُ المتفرجةَ الصامتة،

والمشهدُ لا يدور أمامي،

بل في دفق شراييني…

فأنا أسدِّد ثمنَ الجنوحِ

قتلًا وعنفًا

شردًا ونزفًا

دمعًا وخوفًا

سبيًا وجوعًا

أو خضوعًا…

 

أسَروني في دور الضحية

وأنا بطلةُ الرواية،

بل أنا صرخةُ الحرية

ولي أن أكون كاتبةَ الحكاية.

استأثروا بالأمر،

تحكَّموا بالمصير،

استخدموني أداةً لحروبهم

ومسلكاً لآثامهم،

جعلوني سلعةً في جيوبهم

وأيديهم الملطَّخة تُدَلِّلني

كأُلعوبة…

شاخ هذا الكونُ

وشاخت معه

أصابعُ الأكذوبة.

 

من الشرق أنا،

شرقٍ جمَّد في التاريخ مجدَهُ

ثم في سرير البؤس نام…

يولَدُ أطفاله شيوخًا،

يُكسَرُ أبناؤه شموخًا،

يَحرقُ الأزلام مهدَهُ

وتُقصَفُ براعمُ الأحلام.

 

من الشرق أنا،

شرقٍ غاربٍ في الظلم والظلام

تَعمُر في سياساته الولائم

وجوعًا تتضوَّر الرعايا

يحفر بُناةٌ دروبَه

ومنها تُختطَف السبايا…

شرقٍ

يَصنع رجالٌ حروبَــهُ

ويكافئون أنفسَهم

مكلَّــلين بـــــ”عار” الهزائم…

 

من الشرق أنا،

شرقٍ تائهٍ في مهبِّ القلوب

يمتاز

بصُنعة الشقاء

يتباهى رجالُهُ بالذنوب

وعنهم

تُكفِّر النساء.

 

الشرقُ يغربُ،

ويكادُ مسارُه ينقضي،

الشرقُ يغربُ،

فيا امرأةُ،

فيا امرأةُ،

هيّا انهضي…

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *