الراعي: آن الأوان ليجلس القابضون على السلطة السياسية إلى طاولة حوار وجداني لإنقاذ الدولة

Views: 727

ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس الاحد في كنيسة السيدة في الصرح البطريركي في بكركي، عاونه فيه المطران حنا علوان، القيم البطريركي العام الاب جان مارون قويق، امين سر البطريرك الاب شربل عبيد، المونسينيور حنا عواد، في حضور عائلة صبحي ونديمة الفخري لمناسبة الذكرى السنوية الخامسة على مقتلهما في جريمة بتدعي برئاسة باتريك الفخري، عائلة المرحومة سيدة عواد والدة الزميلين جورج ومارسيل غانم، وفد من الحراك المدني في جل الديب، وحشد من الفاعليات والمؤمنين.

بعد الانجيل المقدس، القى الراعي عظة بعنوان: “طوبى للتي آمنت أنه سيتم ما قيل لها من قبل الرب”، قال فيها: “1. الإيمان الذي أجابت به مريم بكلمة نعم لتصميم الله عليها، كما أعلنه لها جبرائيل الملاك، جسدته في الخدمة لإليصابات الحامل بيوحنا. ومكثت عندها ثلاثة أشهر تخدمها حتى مولده. فامتدحت إليصابات إيمان مريم قائلة: طوبى للتي آمنت أنه سيتم ما قيل لها من قبل الرب (لو45:1).

2. يسعدنا أن نحتفل معا بهذه الليتورجيا الإلهية في ذكرى زيارة العذراء مريم لنسيبتها إليصابات وقد ذهبت من الناصرة إلى عين كارم لهذه الغاية. فنلتمس من الله ان يوقظ فينا فضيلة الإيمان بحيث نجعله التزاما في الخدمة بسخاء القلب تجاه كل إنسان بحاجة إليها.
ويطيب لي أن أحيِيكم جميعا وبخاصة أبناء وابنتي المرحومين الشهيدين صبحي ونديمه فخري اللذين قتلا أمام دارتهما في بتدعي منذ خمس سنوات، على يد مسلحِين من آل جعفر أرادوا الاستيلاء عنوة على سيارتهما للهرب بها من وجه الجيش. وما زالت دعوى الجريمة عالقة لدى القضاء. ولم يشأ أولاد الضحيتين أخذ الثأر بيدهم، إحتراما لقضاء الدولة وعدالتها، والتزاما منهم بتعليم الإنجيل والكنيسة. نذكر بصلاتنا المرحومين صبحي ونديمه وأسرتهما. ونأمل بأن يقبض القضاء على القتلة. ونحيي أيضا عائلة المرحومة سيده عواد غانم، أولادها وأشقاءها وعلى رأسهم الخوراسقف حنا عواد، وشقيقتيها وعائلاتهم. وقد ودعناها معهم ومع جامعة آل غانم بالأسى والصلاة منذ ثلاثة أسابيع. ونجدد اليوم صلاتنا لراحة نفسها ولعزاء أسرتها. فبغياب الأم يفرغ البيت من عاطفتها وحضورها.

3. مفتاح إنجيل زيارة العذراء والخدمة هو إيمان مريم الذي امتدحته إليصابات. فبإيمانها قالت “نعم” لإرادة الله وتصميمه المختلف تماما عن مشروعها الزواجي مع يوسف خطيبها. وكرست نفسها بالكلية للتصميم الإلهي، متخذة موقع “خادمة الرب”. فجسدت إيمانها بخدمة إليصابات طيلة ثلاثة أشهر. أما نتيجة هذا العمل الصالح، التي لم تكن متوقعة، فمتنوِعة الأبعاد:الأول، لقاء الجنينين يوحنا ويسوع، وبالتالي العهدين: القديم والجديد، وربطهما معا بالروح القدس. الثاني، امتلاء إليصابات من الروح القدس فتنبأت أن مريم هي أم ربها، والمباركة بين النساء، وأنها تعطى الطوبى لإيمانها العظيم. والثالث، حيث المسيح هناك الروح القدس الذي يحقق ثمار الفداء وخلاص الإنسان، النابعين من سر موت المسيح وقيامته.

4. وتنكشف لنا في هذا الحدث الإنجيلي حقيقة أساسية هي أن الجنين في بطن أمه كائن بشري كامل الحقوق، وأولها الحياة. فالجنين في بطن مريم ومنذ اللحظة الأولى لجوابها نعم هو يسوع المسيح العتيد أن يولد. وكذلك يوحنا هو إياه الذي تكون منذ اللحظة الأولى في بطن أمه. إن الإجهاض، كيفما مورس، هو جريمة قتل، وخطيئة جسيمة محفوظ الحل منها لمطران الأبرشية، بحسب قوانين الكنيسة.

5. إن مريم العذراء، المدعوة لتكون أم الإله المتجسد، والحاملة مسؤولية إعالته وتربيته مع يوسف، وفقا لإرادة الله وتصميمه، أخذت موقع الخادمة. وهكذا وعلى مثالها كل مسؤول في العائلة والكنيسة والمجتمع والدولة، مدعو ليدرك أن المسؤولية خدمة وتفان وقراءة لإرادة الله، سيد التاريخ، عبر قراءة علامات الأزمنة، والتزام بهذه الخدمة الشريفة.فالمسيح، من بعد أمه، أخذ موقع الخادم المتفاني، إذ قال عن نفسه: إبن الإنسان لم يأت ليخدم، بل ليخدم، ويبذل نفسه فداء عن كثيرين (لو42:10).

6. تعلم الكنيسة أن السلطة السياسية لا تأخذ شرعيتها من ذاتها، وليس لها أن تتصرف تصرفا ظالما. بل عليها أن تسعى في سبيل الخير العام. فلا تمارس ممارسة شرعية إلا إذا سعت إلى تأمين خير الجماعة. وإذا حدث أن اتخذ المسؤولون تدابير تنافي الخير العام والنظام الأخلاقي، فالجماعة ليست ملزمة ضميريا بهذه التدابير بسبب الاستبداد (كتاب التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، 1903). ويتكلم القديس بطرس الرسول، في هذا الإطار، عن إعتراض الضمير. إن الإنتفاضة الشبابية عندنا، مع كبار وفتيان، ونساء وفتيات، من جميع الطوائف والمذاهب والمناطق، هي في جوهرها، منذ ستة وأربعين يوما، إعتراض الضمير، وحجب الثقة عن الجماعة السياسية بكل تراتبيتها. إنها انتفاضة لبنانية بهية محررة من كل التبعيات إلى الخارج، أو إلى هذه أو تلك من الدول. بل إنها تفك الارتباط بأزمات المنطقة لأنها إنتفاضة شعب حر غير مرتهن (راجع سجعان قزي: لبنان بين داريوس والاسكندر، جريدة النهار، 28 ت2، 2019).

7. هنا تكمن عقدة الأزمة السياسية في لبنان، أزمة تشكيل حكومة تكون حكومة إنقاذ مصغرة بوجوه ذات تراث وطني وغنية بخبرات ومنيعة بتجارب (المرجع نفسه). لكن قرار تشكيل مثل هذه الحكومة يقتضي وجود رجال دولة يضعون خير البلاد وشعبها وكيانها فوق كل اعتبار. غير أننا نستبعد بكل أسف أن يتخذ مثل هذا القرار القابضون اليوم على السلطة السياسية. فلو قدروا لما أوصلوا الدولة إلى السقوط الاقتصادي وإلى حافة الإفلاس المالي، وإلى إفقار الشعب، وإقفال العديد من المؤسسات الصناعية والتجارية، وإضعاف المدارس والجامعات والمستشفيات والمؤسسات الاجتماعية من خلال إضعاف قدرة الشعب. آن الأوان ليجلس القابضون على السلطة السياسية على طاولة حوار وجداني لإنقاذ الدولة من الموت في مناسبة يوبيل مئويتها الأولى، خالعين عنهم ثياب مواقفهم المتحجرة ومصالحهم الرخيصة وحساباتهم البخيسة، ويقول كل واحد منهم في قرارة نفسه خطيئتي عظيمة.

8. أما الانتفاضة الشعبية فتواصل تحريك ضمائر المسؤولين السياسيين وإيقاظها من سباتها. ونحن من جهتنا نواصل الصلاة إلى الله كي ينير عقولهم ويهديهم إلى الحل المنقذ. فإنه سميع مجيب، وله نرفع المجد والتسبيح، الآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين”.

بعد القداس، التقى الراعي المؤمنين المشاركين بالقداس.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *