ميخائيل نعيمة في روسيا من جديد

Views: 1380

عماد الدين رائف

أحب الكاتب ميخائيل نعيمة روسيا وأحبته، وهي لا تزال تُحيي ذكراه إلى اليوم. وهو على الرغم من تخصيصه حيّزاً كبيراً في المرحلة الأولى من كتابه “سبعون – حكاية عمر” (1889 – 1959) للحديث عن رحلته البولتافية وروسيا القيصرية، وكذلك في كتابه “أبعد من موسكو ومن واشنطن”، ومقالاته التي جمعها في “الغربال الجديد”… إلا أن البحوث والدراسات الحديثة التي تخرجها المؤتمرات والمعارض لا تزال تكشف المزيد من الجذور والجوانب السلافية في فكر وأدب نعيمة.

وهكذا، بعد افتتاح معرض مكرّس للذكرى الثلاثين بعد المئة لولادة الكاتب في المكتبة الوطنية الروسية في سان بطرسبورغ من تنظيم قسم أدب الدول الآسيوية والإفريقية يستمر إلى 9 كانون الأول/ ديسمبر المقبل، انطلقت أعمال مؤتمر دولي علمي من تنظيم “البيت اللبناني في موسكو” استضافته الجامعة الروسية للصداقة بين الشعوب إحياء للذكرى نفسها.

الخرّيج “الأول”.. والأبرز

يُعتبر ميخائيل نعيمة علامة فارقة في الأدب العربي الحديث، ويعتقد خرّيجو الاتحاد السوفياتي أنه أول لبناني تخرَّج من معاهد روسيا القيصرية. على الرغم من أن ذلك غير صحيح، فقبله تخرّج بعض اللبنانيين والسوريين من السمنارات والأكاديميات الروحية الروسية، إلا أنه ومن دون أدنى شك أبرز اللبنانيين الذين تخرّجوا من روسيا.

في العام 1956، انضمّ نعيمة إلى حلقة نقاش في اتحاد الكتّاب حول الأدبين الأوكراني والعربي. يكتب عن ذلك: “أظهر القوم تشوّقاً كبيراً إلى الاطّلاع على ما عندنا من أدب وإلى اطلاعنا على ما عندهم. وسألوني كيف السبيل إلى ذلك؟ فقلت هو تبادل الطلاب حتى يكون لنا عرب يتقنون الأوكرانية، ويكون لكم أوكرانيون يتقنون العربية. فنالت الفكرة استحسانهم ووعدوا بالسعي إلى تحقيقها”. بعد نحو ثلاث سنوات من رحلة نعيمة، بدأ الطلاب اللبنانيون فعلاً بالتوافد إلى الجامعات السوفياتية أواخر خمسينات القرن العشرين. وافتتحت “جامعة بياتريس لومومبا للصداقة بين الشعوب” أبوابها في عام 1960. وتألّفت المجموعة الأولى من الطلاب اللبنانيين في السنة التحضيرية من نحو عشرين شخصاً. وبلغ عدد الخرّيجين أواخر الستينات نحو 150 شخصاً. وتوافقوا في ما بينهم على إنشاء جمعية أو رابطة لمناقشة القضايا الحيوية والعلمية والمهنية التي تخصّهم.

أنشأ الخرّيجون جمعيّتهم في عام 1970، وحملت إسم “جمعية مُتخرّجي جامعات ومعاهد الاتحاد السوفياتي في لبنان”، واختاروا ميخائيل نعيمة رئيساً فخرياً لها منذ إنشائها حتى وافته المنيّة عام 1988.

في مقرّ الجمعية في بيروت، ألقى نعيمة المحاضرات، وشارك في حفلات الاستقبال، وحضر بعض الاجتماعات مع وفود اتحاد الكتّاب السوفيات، التي كانت تزور العاصمة اللبنانية بشكل دوري.

ميخائيل نعيمة (من اليسار) مع زميليه في سيمنار بولتافا الروحي ميخائيل اسكندر وإليا خوري

 

بين الأوراق

بين الأعوام 1906 و1911، تابع ميخائيل نعيمة تحصيله العلمي في سمنار بولتافا الروحي، إلى حيث كان قد أرسل من قِبَل “الجمعية الإمبراطورية الأرثوذكسية الفلسطينية”، أما المرة التالية التي زار فيها روسيا فكانت بعد نحو نصف قرن في 1956، بدعوة من “اتحاد الكتّاب السوفيات” وبعد فترة قصيرة على الزيارة كان الكاتب قد دوّن انطباعاته عن الرحلة في كتاب يُعتبر من كلاسيكيات الأدب العربي الحديث، حمل عنوان “أبعد من موسكو ومن واشنطن”.

من المعروف عن نعيمة أنه تزوّد من الأدب الروسي بزاده ككاتب، وهو يصف في رسالة إلى الأكاديمي اغناطيوس كراتشكوفسكي، نفسه بأنه: “إنسان تربّى على أدب بوشكين وليرمنتوف وتورغينيف الرفيع، وضَحِكِ غوغول عبر دموعه، وواقعية تولستوي الرائعة…”. وكان نعيمة في الوقت عينه مطّلعاً بشكل جيّد على الأدب الأوكراني، وقد ثمّن النقّاد الأدبيون ترجمة نعيمة لقصائد الشاعر الأوكراني الأكبر تاراس شيفتشينكو، ومن بينها قصيدة “زابوفيت” (الميثاق). وتكمن أهمية الرسائل المتبادلة بين نعيمة والمستشرقين، والتي لم تنشر، في أنها تلقي الضوء على جوانب خفية من علاقة نعيمة بالأدب والحياة في روسيا.

وقد خصّص الباحث في أرشيف أكاديمية العلوم الروسية في سان بطرسبورغ فيكتور دزيفانوفسكي، بحثاً لتلك المهمة بعنوان “إضاءات على رسائل نعيمة إلى المُستشرقين الروس”. إلى جانب ما كشفته الباحثة الراحلة أنّا دولينينا (1923 – 2017)، منذ نحو عشر سنوات، في كتابها “حول المخطوطات العربية للكاتب أ. كراتشكوفسكي” والذي ضمّنته فصلاً عن نعيمة بعنوان “طالب السمنار البولتافي”، فقد كان دزيفانوفسكي على معرفة شخصية بالباحثة وطرح عليها جملة من الأسئلة لإزالة الإبهام في اقتباسات كراتشكوفسكي من رسائل نعيمة، ولنبش ذاكرة دولينينا عمّا تعرفه شخصياً عن نعيمة. وقد كشف دزيفانوفسكي في بحثه عن رسائل نعيمة من أرشيف سانت بطرسبورغ من دون حذف أو اختصارات.

المنصة الرئيسية للمؤتمر العلمي الدولي في جامعة الصداقة الروسية

 

مؤتمر علمي

لبنان الرسمي بعيد اليوم عن الاحتفال بالذكرى الثلاثين بعد المئة على ولادة هذا الكاتب والمفكر في ربوعه، إلا أن “البيت اللبناني” في موسكو جعل من هذه الذكرى أبرز نشاطاته للعام الحالي، عبر تنظيمه مؤتمراً علمياً دولياً لإحيائها.

هكذا، استضافت الجامعة الروسية للصداقة بين الشعوب في قاعة المؤتمرات في كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، مؤتمراً رعاه السفير اللبناني في روسيا الاتحادية شوقي بونصّار، بمشاركة من ممثلية الجامعة العربية في موسكو، جمعية متخرّجي جامعات ومعاهد الاتحاد السوفياتي في لبنان، اتحاد كتّاب روسيا، ومعهد الاستشراق التابع لأكاديميةة العلوم الروسية. افتتح المؤتمر نائب رئيس الجامعة سيرغي بازافليوك وتعاقب بالترحيب بالمؤتمر كل من: السفير بونصار، ممثل جامعة الدول العربية …، ممثل اتحاد كتّاب روسيا أوليغ بافيكين، الملحق الثقافي الروسي السابق في لبنان سيرغي فوروبيوف، رئيس البيت اللبناني في موسكو فرحات الجمل، كما تُليت رسالتان موجّهتان إلى المؤتمر من كل من وزير الثقافة اللبناني محمد داود ورئيس الجامعة اللبنانية د. فؤاد أيوب.

خلال المؤتمر، تُليت محاضرات وملخّصات بحوث علمية، منها، طبيعة الإنسان والكون في أدب ميخائيل نعيمة للباحثة المستعربة في معهد الاستشراق ماريا نيكولايفا، فلسفة نعيمة وأصولها المشرقية للدكتور محمد شيا، تقاطع التقاليد الدينية في نثر نعيمة للمستشرقة من الجامعة الروسية للعلوم الإنسانية إيرينا بيليك، نعيمة والأدب الروسي للمستشرقة الكبيرة إلميرا عليزاده، كومة حجارة: عن العرب و”العروبة” عند نعيمة للباحثة من المدرسة العليا للاقتصاد إيرينا تساريغورودتسيفا، المرأة في فكر نعيمة وحياته للباحث ميشال معيكي، انعكاس القضايا الموضوعية المعاصرة في أدب نعيمة، للمستشرقة غالينا لوكيانوفا من الجامعة الروسية للصداقة بين الشعوب، وحمل بحثي عنوان علاقة نعيمة بالاتحاد السوفياتي وخرّيجيه. كما تضمّن المؤتمر توزيع جوائز على طلاب اللغة العربية الفائزين في مسابقة ترجمة أعمال نعيمة، وفي الختام قدّم طلاب كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية في جامعة الصداقة بين الشعوب عروضاً أدبية وفنية.

***

(*) صحافي وكاتب من لبنان

(*) [email protected]

(*) الصورة الرئيسية: المنصة الرئيسية للمؤتمر العلمي الدولي في جامعة الصداقة الروسية

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *