جاهدة وهبة المجاهِدَة فوق العامة وفوق الخاصة

Views: 581

 د. ريما نجم بجاني

تتحَوّل الكلمات ترانيم وتسابيح، يوم تنتقل من تناول العامة وحوادثهم واحداثهم وهمومهم وآمالهم وامانيهم ومشاغباتهم وترهاتهم وتماديهم وطموحاتهم المبطنة بالكسل والاحباط، لتتناول «خاصة» بل فوق الخاصة الجديرة بان تفتح شهية الكلمات على الحياة، والمتابعة من دون ابطاء او تكاسل او تراخ وحدها تشحذ العزيمة من دون الاستعانة باي محفز او منشط مادي او معنوي.

ومن «الخاصة او ما فوق الخاصة، جاهدة وهبه، من دون اي لقب اضافي قد يسيء اليها مهما حسن التعبير وتجلت العبارات، وقد يهبط بها مهما علا وشق وشف…

جاهدة وهبه حالة فنية فارقة، هي الصوت الذي لم يسبقه صوت يشبهه، ولن يجيئ الزمان بما يوازيه وما يماثله على ما ارى واسمع واتابع…

 صوتها استثنائية شهد رسمت حدودها وانسكبت عذوبة على الرغم من انفلاتها الى ما بعد الحدود، وارخت ضوابطها تحديا للانفلات ومواجهة له، واتى حضورها بصمة محفورة بعيدا عن كل جدران الفراغ القائم ومشهديات الخواء والبلاء الضوضائي المعيش…

قوي هادر، دافئ معبأ بشلالات الغبطة والنشوة والحزن.. هو صوتها، ذو سطوة في فرحه وعتبه، متى لامس القلب عانق الروح، وافلح في قلب الموازين كلها، وفي قلب الطاولة على المتحاورين بشأن الفن وما اصابه من كدر…!

ليس انطباعا فرديا ما اجاهر به، بل نقل تولد وضج في نفس من اصغى الى جاهدة، منشدة ومرنمة وملحنة وفي المقامات مجتهدة ومجددة، هو صفاد يفوق الصفاء، رحيل مفاجيء الى ما هو من الابكار وكأنها ضروح شيدت بغتة لتجعلنا منشدين مشدودين لنتابع معاركة الحياة ومقارعتها، وان لم تكن مقنعة كثيرا في بعض الاوقات.

في صوت جاهدة وهبه نتذوق كل ذلك ونحتسسه ونعايشه ونحرص عليه لئلا يفلت باتجاه ما، فنفقد نشوة قلما نقع عليها. فثمة كل متكامل في شهدها الفني فها هي تنتقي من الشعر اعذبه واكثره بهاء وطواعية للتلحين والغناء، تقدمت من القامات الشعرية وامهات اعمالهم… ومحمود درويش قادر وحده على اختصار «القلاع» في الشعر الفصيح…، وكم كانت جاهدة صائبة ومحقة في وقوعها على كنز ثمين لشاعر بالمحكية لا يتكرر، طلال حيدر الذي اتى في الزمن الصعب ليفاجئ الشعر والشعراء والذواقة بقصائد خارجة عما هو مألوف، متمردة على القانون وعلى الاذن الشعرية والموسيقية، لا يمكن الا ان تستوقنا عند اعتاب الدهشة والاستغراب منصتين بصمت ضاج متلفتا احدنا باتجاه الاخر، متسائلا مثله دون ان يتفوه او ينبس ببنت شفة، فهو يحسب انه قد سمع كل شيء في قبض على المعاني والجمال والسحر…، وعلى صوت جاهدة يتدفق طلال حيدر ينابيع ثرة دفعة واحدة.

«شهد» اراجيح الكبار حصاد مبارك من الاغنيات، بل هي ن التحف….، هدية ثمينة لكل ذواقة، يضيفها الى مكتبته الموسيقية، تغدق بها فيضا على رياض احاسيسه التي تكاد تذوب من مد الانحدار والارتداد والتخبط في اللامنطقي على الحضارة…، جاهدة وهبه صرح فني بني بالموهبة والجهد والمثابرة والتفاني والاصرار هنيئا لنا بك ايتها المجاهدة… وهنيئا لنا به…، وهنيئا لك جاهده.
———————

* 2015/1/31

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *