الذهب الأسود والعقول السوداء

Views: 949

سمر الخوري

أول بـيـر

بَـدنـا نُـمـرُق بِـمْـهـاويـر//حـتَّــى نُـحـفُـر أوَّل بِـيـر

وْبَـعـدا بِــتـروق الأحـوال//وِحكومه عِـنَّـا بِـيـصِـيـر

كِل مِـيـنْ فـي عِـندو مَـوَّال//وْكِل مَـوَّال وْلُـو تَـفـسِـيـر

عِـنَّـا بَـعـد لْـيـالـي طْــوال//فـيـهـا تَـعـتـيـر وْأهـوال

       وْتِـسْـكـيـر دْروب وْتِـكـسِـيـر

                                الصحافـي شـربل زغيب

 

“أول بير” … قصيدة نفطية بامتياز. والبير أو البئر كما يقال لها بالفصحى لها تناص والمثل الشعبي بيعرف البير وغطاه. وما أدرانا ما بير البترول وأين غطاؤه؟

أول بئر يتحدث عنها الشاعر شربل زغيب كأنه يتحدث عن الحب الأول، أو القبلة الأولى.

أول بئر نفطية تحتاج إلى مقدم ومؤخر. فهي عروس ذات دلال وخفر. الداخل إلى خدرها مفقود، والخارج منه يحتاج إلى عقود. ودون الزواج بها أخطار و”مهاوير”. ولا أدري إذا كان هناك رابط بين مهاوير وأغنية “الهوارة” الشعبية.

المهم أن قصيدة الشاعر زغيب هذه ذكرتني بالأخطار التي كانت تواجه بطل ألف ليلة وليلة، والعقبات التي كانت تزيد مغامرته صعوبة أو تعجيزا، قبل أن يصل إلى مبتغاه، إلى حوريته النائمة في قصر مرصود.

من حاول فك ضفائرها…من حاول اختراق هياكلها … مفقود، يا ولدي.. مفقود..مفقود.

هكذا تقول الأحجية، لا الأغنية النزارية. وإذا بلبنان كله، لا الشاعر، يغرق تحت الماء، ولا يمتلك العوامة أو الزورق.

لبنان الداخل إلى نادي الدول النفطية! ما أروع هذا الحلم! ولكن.. هل تصدق الأحلام؟

أول بئر وينقلب السحر على الساحر، من حيث  يدري أو لا يدري. يذوب الغرق في البئر، وفي صدري، وتنتحب الآمال.

ترى أتكون البئر هي الحل؟

أتكون البئر هي الخصم والحكم، منها يستمد الحل والحكم، وينتهي الترحال.

ونردد مع الشاعر: أعلل النفس بالآمال… أمل الوصول الى حكومة تحكم ولا تحكم. حكومة في يدها الحل والربط، وليست دمية تلهو بها أيدي السوء، تلك الأيدي الملطخة بالأوحال.

هل الوصول إلى حكومة الحل الأمثل ممكن وجدي؟

بين الممكن والمستحيل شعرة معاوية. إن شدوا أرخيت وإن أرخوا أشد. وإذا بالزيم تشتد، وبالرؤوس تينع، بانتظار قطاف الحجاج.

كل يغني على ليلاه. وكل يحارب الوطن ومصلحة الشعب إكراما لمولاه. فما هو موال الحق كي نردده على مسامع أعداء الوطن؟

وما تفسير موال من يسرق من أبيه الوطن ليطعم اللصوص؟ فلا أبوه يغفر له، ولا يكافئه الأعداء.

ولا يزال ليل انتظارنا طويلا يقول الشاعر. إنه كليل امرئ القيس مشبع بالهموم، ولن ينجلي في كره وفره. سيبقى صخرة على أكتافنا، تسقط منا قبل بلوغ القمة. صخرتنا جلمود هم لا يزول، حطه السيل من عل.

صخرتنا صليبا . بيد أنه بلا رجاء قيامة. دونه الأهوال والأرق، الحريق والغرق. تكسير أحلام وحروب، تخريب وقطع دروب. ودرب الخلاص طويل،،وطويل.

بئرنا المنشودة هي درب السندباد. وحيث لا رجاء تحترق الآباد. فمتى تبدأ رحلة العودة إلى الوطن؟ متى نصبح كلنا للوطن، لا عليه؟ متى نستعيد المبادرة فنهزم التنين؟

الحل ليس في مقولة: افتح يا سمسم. فقد انتهى عهد علاء الدين، وبدأ عهد أن نكون متحدين، كي ننقذ الوطن.

آبار كثيرة تنتظرنا، فلنجعلها آبار ماء لا دماء، آبار يعقوب، لا يوسف. من يرتو منها لا يعطش أبدا.

بئرنا الأولى تنادينا. كذلك پئر الهاوية. فلنحسن الاختيار، بين الارتواء أو “المهوار”… وتلك لعمري الخطوة الأولى في ألف ميل بناء الوطن.

شربل زغيب،  أيها المصطفى المبحر نحو أورفليس، رائع تفاؤلك. ولكن وقائع التاريخ تقول : منذ القدم، نكلوا بالأنبياء، وفقأوا عيني الزرقاء… من أجل الذهب. فهل ينقذنا الذهب الأسود من القلوب والعقول السوداء؟

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *