“حبّيتك بالصيف… حَبّيتك بالشتي…”

Views: 717

إيلي معوشي

 

بالإذن من فيروز، أريد 

أن أفهم هذا القول على النحو التالي، فأقول:

للحياة الدنيا وجهان،

وجهٌ مُشِعٌّ ووجه مظلم.

هذا أمرٌ بديهي ليس منه مناص ولا ريبَ فيه…

فأن أنتَ باركتَ الأوّل ولعنتَ الثاني

خطئتَ خطأ جسيمًا…

فكن عاقلاٌ وشجاعًا،

وليكن ترحيبك بالوجه المظلم كمثل ترحيبك بالوجه المشعّ:

فإن فعلت ذلك شعرت بسعادة كليّة…

تقول مي زيادة في كتابها “أزاهير حلم”:

“سعادة الإنسان طَوع إرادته.

فالرجل الشجاع الذكي يعرف كيف يجعل 

كأس آلامه حُلوة المذاق،

ويحوّل غذاءه الحقير إلى أفخر المآكل،

ويجعل من الماء خمرته المعتّقة بلونها وصفائها،

ومن مضجعه الخشن فراشًا وثيرًا،

ويعرف أن يحلَّ الأمل محلّ اليأس..”

*  * *

تلك هي صورة الحياة مُذ كانت الحياة:

صيف شتاء. ورد وشوك.

نجاح وفشل. يُسر وعُسر.

فَرَج وكرْب. سعد ونَحس.

حلاوة ومرارة. إقبال وإدبار…

*  * *

ليس في وسع أحد أن يتخطى هذه المعادلة المحتومة

أو يغيّر شيئًا منها…

فهو إن حاول أن يتجاوز مَنطق الحياة 

وقع في المحظور…

فالحكيم والشجاع والفَطن هو من وعى 

هذه المسرحية الأزلية الأبدية.

فَلَبِسَ لِكلّ مشهد فيها لبوسه،

ومثّل الدّور المناسب لكل مشهد…

فعاش مُطمئن النفس، خلي البال.

*  * *

هذه التناقضات، في الحياة،

كان لا بدّ منها ليكون، للحياة،

طعمها ومعناها، فتفسح للإنسان في مجال العمل المفيد

لأجل النموّ والتقدّم، وإغناء الوجود بقدرة العقل 

الذي زيّن الله الإنسان به، وبشجاعة القلب

الذي يزخر بالمشاعر السامية النبيلة…

*  * *

فأيُّ إنسان هو هذا

الذي يأتي الى الحياة جاهلاً…

ثمّ يذهب، كما أتى، جاهلاً 

من دون أن يترك، على صفحات هذا الوجود،

بَصماتٍ تُفيد الأجيال الآتية ما تختزنه

من خير وحبّ وحق وجمال؟…

أوَ ليس خيرًا لهذا الإنسان لو لم يولد؟…

*  * *

نحن الذين نعيش على هذا الكوكب المضطرب

مدعوون الى أن نكون، أبدًا، في حالة 

ترقّب وتيقّظ واحتراس

لمجابهة كل أمر مُستعصٍ

وكل قضية شائكة:

فحالات الجبن والتردد والضّعف والخوف

ستكون، لها، نتائج غير مرضية…

قال المتنبي:

“فحبُّ الجبان النفس أورده البقاء

وحبُّ الشجاع النفس أورده الحرب…”

*  * *

ولنغنِّ مع فيروز:

“حبّيتك بالصيف،

حبّيتك بالشتي…”

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *