“العم” جوزيف

Views: 376

خليل الخوري 

جوزيف أبو خليل رجل المزايا العديدة. كان كتلة من الوفاء. ولو جسّدت الوفاء رجلاً  لكنت وجهاً لوجه أمام «العم» وهو اللقب الذي عُرف به في أوساط الكتائبيين القياديين، كما القاعدة  أيضاً.

علاقته بأسرة آل الجميل، طوال 75 سنة قاربت حدّ الإيمان بهذه الأسرة، منذ الرئيس المؤسس المرحوم الشيخ بيار الجميل وحتى اليوم، التي وثقت به كثيراً، وأوكلت إليه أصعب المهام. أمّا  زيارته إلى الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلّة، فإنّ الإنصاف يقتضي القول إنّ المبادرة الأولى إنبثقت  منه شخصياً. وأقول، عن عميق معرفة بهذه النقطة، إنه توجه إلى داخل فلسطين، عبر نهاريا، عندما سُدّت الأبواب في وجه الفريق الذي انتمى إليه جوزيف أبو خليل، ليس الكتائب وحدها إنما المسيحيون عموماً في تلك المرحلة الدقيقة.

ولقد تناقشنا فتجادلنا طويلاً… وكان يقول لي: كنت أعرف أنها مغامرة خطرةً جداً. ولم أكن أدري كيف ستنتهي. ولقد ركبت هذا المركب الخشن.

لماذا؟ سألته، فأجاب: لأنّ السكين كانت على أعناقنا، وكنا على مفترق مصيري وجودي: نبقى أو لا نبقى ولا احتمال ثالثاً. وأضاف (وأسجّل كلامه حرفياً): العالم كله كان يريد الإنتهاء منا. أمنا التي كانت «الأم الحنون» (فرنسا) تخلّت عنّا، أميركا لم تسأل عنا وكانت تخطط لإجلائنا عن هذه الأرض التي فيها جذورنا، وعن هذا البلد الذي  ما كان ليكون لولانا. حاولنا المستحيل. لم نترك باباً عربياً أو دولياً إلاّ طرقناه. وحدها ألمانيا كانت متعاطفة معنا، ولكن هذا التعاطف»المحدود» لم يكن ليزيح السكين عن الأعناق إلخ…

وتعود بي الذاكرة، قبيل توجهه إلى فلسطين المحتلة، إنه  إتصل بي ولما التقينا قال لي: أحتاجك في مهمة.

سألت: ما هي؟ أجاب: أود أن تكتب «من حصاد الأيام»  لأنني سأغيب بضعة أيام لإجراء فحوصات طبية داخل المستشفى ولما سألته: أين ستجرى عليك تلك الفحوصات؟ أجابني لن أفصح عن إسم المستشفى لأنني لا أريد أن أكلّف أحداً أن يعودني. فالمسألة مش حرزانة. وطلبت منك أن تكتب «الحصاد» لأنني لا أريد أن يعرف أحدّ بغيابي. وأعترف بأنّ المهمة كانت شاقة ليس للعجز عن الكتابة إنما لأنه كان قد رغب إلي أن أقارب أسلوبه الكتابي ما أستطعتُ إلى ذلك سبيلاً. وقد فعلت. علماً أنّ «من حصاد الأيام» كانت إفتتاحية صحيفة العمل الناطقة بإسم حزب الكتائب… وإنني الوحيد (غير كتائبي) الذي كتبها بعد مجموعة من كبار الأدباء والكتبة والصحافيين الكتائبيين أمثال إلياس ربابي وإدمون رزق وجوزيف الهاشم وجوزيف أبو خليل…

أردت، فقط، أن أركّز على هذه الجزئية في حياة جوزيف أبو خليل، الصحافي الكبير، والكاتب الملهم، نظراً لأنها أثارت الكثير من التساؤلات والآراء وحتى الأحكام.

والحديث عنه، خصوصاً  لمن عرفه مثلي وعن قرب، يطول ويطول ويطول. فأكتفي، في هذه العجالة بالقول: إن جوزيف أبو خليل كان «وطنياً لا يُجارى» (وهنا أستعير العبارة التي دونها لي إهداءً لأحد كتبه): وإنه كان مؤمناً، بيقين عميق،  بأنّ الرئيس الشهيد بشير الجميل سينقذ لبنان (…).

رحمك الله أيها الصديق الحبيب الكبير رحمات واسعة.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *