أفكار خطة نهوض السلطة القضائية وتطويرها

Views: 863

القاضي سهيل عبّود

(رئيس مجلس القضاء الأعلى)

قضاة لبنان، 

زميلاتي وزملائي الأعزاء،

أتوجه إليكم بهذا الكتاب، بعد تسلمي مهام الرئاسة الأولى لمحكمة التمييز – رئاسة مجلس القضاء الأعلى، مخاطباً فيكم ضمير القاضي ووجدان المواطن، مستلهماً الدور الطليعي والحقوقي والقانوني للبنان، وآمال المواطنين والمتقاضين، وتطلعات القضاة والمحامين، الى سلطة قضائية نريدها حرّة ومستقلّة، في خدمة الوطن والمواطن والإنسان.

 

ليس بخافٍ على أحد، أنّ القضاء اللبناني يمرّ بأزمة حقيقية، جعلت الجميع يتساءل عن دور سلطة قضائية أو غيابها، وعن بقاء وطن أو ضياعه.

من هنا رغبتي في مشاركتكم أفكار خطة نهوض وتطوير، نريدها جميعاً فاعلةً ومنتجةً، أساسها وجوهرها الآتي:

  • اقتناع كلّ قاض، بأنّ السلطة القضائية هي إحدى السلطات الدستورية الثلاث، التي أوليت سلطة إصدار الأحكام باسم الشعب اللبناني، وإحقاق الحق، بكلّ استقلالية وتجرد، وبأنّها مؤتمنة أيضاً، على إرساء تعاون مع السلطات الأخرى، ضمن الأطر الدستورية والقانونية، فيدولة يسودها حكم القانون.
  • اقتناع كلّ قاض، بأنّه ركن من أركان السلطة القضائية، عند اصداره لأحكامه باسم الشعب الذي ينتظر حكمه العادل، الجاري النطق به بكلّ شجاعة وحرية، من دون استعجال غير مبرر، أو تأخير غير مستحب، مع إرادة ثابتة لديه في تأمين إنتاجية واجبة، لا تحدّ من صوابية الأحكام ومن الثقة بها.
  • اقتناع كلّ قاض، بأننا في مسيرة إصلاح قضائي ووطني، لواقع تستّر بفساد إجتماعي، وبإفساد بنيوي، وبإستقلالية وبهيبة منقوصتين، وبمعنويات مثقلة، وبماديات غير كافية، ما يفترض ريادة من القضاة، وتعاوناً من قبل نقابتي المحامين، مع تحصين هذا المشروع الإصلاحي، بمواكبة إعلامية بنّاءة، وبتأييد من المجتمع المدني وجميع اللبنانيين.
  • اقتناع كلّ قاض، بأنّدوره الجوهري ومهامه الجسام في المجتمع، تتطلب منه شجاعةً وتواضعاً، وأخلاقيات سامية، وجهوداً دؤوبة، وتطويراً ذاتياً، وتضحيةً متواصلة، في معرض تشريفه لموجبات القضاء.

وبأنّ حريته واستقلاليته نابعتان من ذاته، وبأنّ حدودهما هي قواعد المناقبية والأخلاقية القضائية.

  • اقتناع كلّ قاض، بأنّ أداءه موجباته القضائية، سيتلاقى مع إعلاء مبدأ الثواب والعقاب، ومع تقييم لمناقبيته وعلمه وعمله، ما يشكّل أساساًلمناقلات قضائية تعتمد معايير علمية وموضوعية، مع التشديد على أنّ كلّ مراجعة أوتوصية في هذا المجال، أياً كان مصدرها ستنعكس سلباً عليه.

كما أنّ أداء هذه الموجبات القضائية، ستواكبه مساحة حماية من مجلس القضاء الأعلى، قد تكون ضرورية أحياناً ومساعدة، بوجه كلّتعرّض أو تدخل.

  • اقتناع كلّ قاض، بأنّ أزمة الثقة بالقضاء تستلزم خطوات شفافة استثنائية، ومبادرات أساسية، تضاف الى الموجبات السابقة، أوّلها المبادرة الى رفع السرية المصرفية عن حساباته وحسابات عائلته…
  • اقتناع كلّ قاض، بأنّ اليوم غير الأمس، وبأننا جميعنا شركاء في مشروع نهوض قضاء ودولة ووطن، ما يفترض استنهاضاً للإرادات، وتحفيزاً للمسلمات، وتنقيةً للذات، وصولاً وتوصلاً الى سلطة قضائية مستقلة في خدمة الوطن والمواطن والإنسان، ولا سيما أنّ هذه الخطوات كلّها، ستتلازم مع العمل على إقرار قانون يكرّس إستقلالية القضاء، بما يتناسب ويأتلف مع ضماناتالقضاة والمتقاضين وتطلّعاتهم.

زميلاتي وزملائي،

أختم كتابي هذا بالتشديد، على أننا وحدنا أصحاب القرار، وأنّ لا مكان لتطبيق مفهوم النسبية في القضاء، فإما أن نكون قضاة نزيهين ومستقلّين، أو لا نكون قضاة. فلا وجود لنزاهة نسبية، أو فساد مع تحفّظ، وإنني على ثقة أنكم من القضاة المستقلين، وإننا سنكون معاً يداً بيد، تحقيقاًلمشروع النهوض بالسلطة القضائية الحرّة المستقلّة، العاملة في خدمة الوطن والمواطن والإنسان.

*بيروت في 16/ 10/ 2019

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *