ميلاديات (٢)… “ميلاد”

Views: 360

د. جان توما

ولد يوم ميلاد السيد المسيح، فقال والده:”كن ميلادا” فكان.كم كان يُسرّ “ميلاد” بقدوم عيده السنوي، فهو أولاّ عطلة مدرسية، وهو ثانيا حافل بالهدايا الملوّنة المزركشة الحلوة.بقي “ميلاد”على محبته لاسمه إلى أن غدا يافعًا، وصار يمضي عيد الميلاد فلا يرى هدية ولا يسمع كلمة تـهنئة.

بحث عن السبب فقيل له: صرت كبيرًا. عيد الميلاد هو للصغار، يحتفلون به بولادة الطفل يسوع المسيح المولود في مغارة وفي مذود حقير.ولكن لماذا لا يكون الميلاد عيدًا لي أيضًا؟ ما معنى أن يبقى المرء صغيرًا ليشعر بجمال الميلاد؟ألم يأتي المسيح للكلّ؟ للصغير وللكبير؟ ثمّ ما معنى أن يكون اسمي “ميلاد”ولا احتفل بمناسبته بعد البلوغ؟ أيبقى الإيمان ورعا وتُقى في الصغر وبرودة في الكبر؟

لم يقتنع”ميلاد” بأنَّ الأعياد وقف على الصغار، خصوصًا وأن اسمه يشير إلى أن سيبقى”وليدًا” مهما تقادمت الأيام ومرّت السنون.لم يرَ في احتفاله بعيد الميلاد عودة إلى الطفولة أو استرجاعًا لحنين أو تذكارًا لشيطنة مضت.

قرر”ميلاد”أن يحتفل بعيد ميلاده يوم عيد الميلاد. وتساءل:لقد صار الميلاد،في عصر الإستهلاك، شجرة ومغارة وزينة وألوانا من العادات والتقاليد، وضاعت مناسبة ولادة السيد وسط علب الهدايا الملوّنة،قبلة أنظار الصغار والكبار، على السواء.وخاف “ميلاد” إن احتفل بذكرى ميلاده أن تطغى عليه “أنانيته” فيرى أن هذا اليوم هو يومه وليس يوم ولادة المسيح!

ما هذه التجربة التي وضعه أبواه أمامها بـهذه التسمية؟ألم يكن بالإمكان لو سمّوه اسما آخر؟صحيح أنـهم من حيث لم يدروا حمّلوه إيمانًا وجعلوه شهادة حيّة لميلاد شخص آخر،إذ كلّما ذكروا اسمه، فسيذكرون مناسبة اسمه الذي يدلّهم، فيما يقصدونه هو، إلى المولود في بيت لحم.هو لم يستحِ يومًا بإيمانه ولكنه يريد أن يكون له اسم خاص به.هو لم يرد يومًا أن ينتقد أهله على تسميتهم له ولكنه كان يريد أن يحسّ بأنه مولود لنفسه، مستقل عن الأيام والمناسبات.

كان بعضهم يناديه”ميلو” تحببًا، فكان يجده جميلاً في أول ربيعه،أما وقد بلغ من العمر عتيا،صار اسم الدلع يخالف واقع الحال.وحاول بعضهم أن يناديه”أبو الميل”،فكان يُسرُّ به يوم كان جسده يطفح بالرجولة والقوة، أما وقد مرّ عهد الشباب وخلّف وراءه البطولات،لم يعد هذا اللقب يعجبه خصوصًا أنه لم يتزوج، فقد تركته الأيام وحيدا لكثرة انشغاله باسمه وطريقة التخلّص منه.

في ذلك المساء،مساء ليلة الميلاد، كانت أجراس الكنائس “تزلغط” بالفرح بواسطة عضلات الشباب النابض بالحيوية،وفي عجقة المعيّدين بالعيد،ووسط التراتيل ورائحة البخور وفرح لهب الشموع، دخل”ميلاد”إلى الكنيسة مع قول الخوري في عظته:”ها قد جاء الميلاد..”فالتفت المصلّون نحوه، فامتلأ،لأول مرّة،فرحًا عظيما لأنّ اسمه أخيرًا …صنع العيد

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *