يونان في رسالة الميلاد : للاصغاء لمطالب الشعب وتأليف حكومة اختصاصيين

Views: 423

وجه بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان، رسالة عيد الميلاد، بعنوان “هلموا إلى بيت لحم”، تناول فيها الأوضاع العامة في لبنان وبلاد الشرق الأوسط، قال فيها:

“في هذه الأيام المباركة، نتأمل ما تمر به أوطاننا من حروب ومآس واضطهادات، ونجد أنفسنا نعيش الميلاد الحقيقي لربنا يسوع المسيح الذي تجسد لأجل خلاصنا، في أجواء الاستقواء على الضعفاء الأبرياء والعنف والقهر والتشرد.

في لبنان، أكثر من شهرين مرا والشعب اللبناني بمعظمه منتفض على المستقوين الفاسدين لأول مرة في تاريخه، مؤسسا لعامية جديدة تصلح إن نجحت لوضع أسس دولة حديثة تتطلع إلى المستقبل بأمل واعتزاز. دولة ديموقراطية، مدنية، تحترم مكوناتها الروحية والشعبية المتنوعة، دولة تحارب الفساد وتحاسب الفاسدين، دولة تؤمن بالمشاركة التي تدعو إلى الوحدة وليس إلى الانقسام، دولة المؤسسات التي لا تميز ولا تضطهد المواطنين ولا تهمش طاقاتهم تبعا لمذهبهم أو لأوضاعهم الاجتماعية. إننا نناشد القيمين الأعلين على مراكز المسؤولية، أن يصغوا إلى مطالب الشعب ويؤلفوا حكومة قوامها وزراء متخصصون من غير المرتهنين للأحزاب والزعامات السياسية والطائفية.

أولويات هذه الحكومة: استعادة ثقة المجتمع المحلي والدولي بقدرات لبنان ومؤسساته، ودعوة إلى إجراء انتخابات نيابية تتلاقى وتطلعات الشباب المنتفض في الشارع. حكومة أضحت ضرورة كي يستعيد المواطنون الثقة في ما بينهم ويولد لبنان من جديد ليضحي “رسالة” في محيطه.

وفي سوريا، سنة جديدة حلت، نكرر فيها دعوتنا لجميع مكونات الشعب السوري إلى التعاضد والتكاتف لإنهاء الصراعات القائمة، والعمل سوية لإعادة بناء سوريا حجرا وبشرا، راجين خيرا بالمساعي التي يبذلها الخيرون من أبناء الوطن لتقريب وجهات النظر وتذليل العقبات أمامهم، فتنتهي هذه الحرب العبثية، ويعم الاستقرار مختلف المحافظات السورية. وإننا نجدد دعوتنا للمجتمع الدولي إلى العمل على رفع العقوبات الجائرة بحق الشعب البريء، وإلى إيقاف تدخلات خارجية غايتها تنفيذ المخططات الجائرة بحق الشعب والوطن.

في العراق، نجدد دعوتنا لمكونات الشعب العراقي الحبيب كي يتحدوا لإنهاء الأزمات القائمة والصراعات التي عصفت بوطنهم طويلا، وها هي تعود منذ أشهر متخذة طابعا دمويا لا تحمد عاقبته. وندعو السلطة السياسية كي تتفهم مطالب الشعب المشروعة، وتتعاطف مع همومه وآلامه، وتستمع إلى نداءاته بوقف الفساد لبناء دولة عادلة ديموقراطية تحكم بالمساواة فيما بين مكوناتها وتحاسب المسؤولين الفاسدين. كما نصلي من أجل أبنائنا وبناتنا، ونشجعهم على العودة إلى وطنهم ومدنهم وقراهم، والمساهمة مع باقي مكونات الشعب العراقي في الحفاظ على دولتهم وأرضهم.

يؤلمنا أنه بعد مرور أكثر من ألفي عام، لا تزال الأرض التي قدسها الرب يسوع المخلص بميلاده وكرازته وموته وقيامته تشهد الصراعات والحروب. إننا نكرر نداءاتنا كي يعترف المجتمع الدولي بدولة فلسطين، ويمنع استمرار الصراعات في الأراضي المقدسة، فتسود ثقافة قبول الآخر والمسامحة، وتبقى القدس عاصمة الدولتين. كما ندعو الأمم المتحدة كي تتحمل واجباتها لتطبيق المقررات الدولية لعودة اللاجئين إلى أرضهم، فتخمد الأحقاد ويكف القتل والدمار في شرقنا الحبيب.

نجدد شكرنا لسلطات المملكة الأردنية الهاشمية على الدور الذي تقوم به لتوطيد أواصر الإرتباط بين مختلف مكونات الشعب الأردني، وتعزيز ثقافة قبول الآخر وقيم المواطنة، بالإضافة إلى محبة الشعب الأردني وتضامنه مع إخوته اللاجئين من سوريا والعراق، واستضافتهم واحترامهم ودعمهم حتى توفر مناخات العودة إلى أوطانهم.

أما مصر التي عقدنا على أرضها المؤتمر السابع والعشرين لمجلس بطاركة الشرق الكاثوليك، والتي إليها لجأت العائلة المقدسة، فقد انتصرت اليوم على الإرهاب الذي كان يعصف بها واستطاعت، بحكمة المسؤولين فيها وبتضامن شعبها، أن تؤمن لسائر المواطنين الحرية والأمان ليعيشوا بالتآخي، متساوين في الحقوق والواجبات أمام الدولة ومؤسساتها.

وتركيا، حيث لا يزال أبناؤنا محافظين على إيمانهم وتراثهم العريق، فإننا نحثهم على متابعة الشهادة للرب في أرض الآباء، طالبين منه تعالى أن يقوي عزيمتهم، وهم يثبتون اعتزازهم بأرضهم وتراثهم، وخير دليل على ذلك ترميمهم وتأهيلهم لدير مار أفرام في ماردين الذي سندشنه في شهر أيار القادم بإذن الله.

أما أبناؤنا وبناتنا في بلاد الانتشار، في أوروبا والأميركتين وأستراليا، فإننا نتوجه إليهم بأفكارنا ونحملهم في قلوبنا، ونحن نقدر أوضاعهم وتحديات القادمين الجدد منهم، ونحثهم على التمسك بإيمانهم بالرب يسوع والتزامهم الكنسي وتقليد الآباء والأجداد في بلاد المنشأ في الشرق. كما نؤكد عليهم وجوب تربية أولادهم وتنشئة عائلاتهم على الأمانة لهذه المبادئ السامية.

ولا ننسى أن نذكر بعواطف المحبة والتضامن أبناءنا وبناتنا الذين يعانون من جراء النزوح والهجرة والإقتلاع من أرض الآباء والأجداد، من العراق وسوريا، إلى لبنان والأردن وتركيا، وإلى ما وراء البحار والمحيطات. كما نجدد مطالبتنا بالإفراج عن جميع المخطوفين، من أساقفة وكهنة وعلمانيين، سائلين الله أن يرحم الشهداء ويمن على الجرحى والمصابين بالشفاء التام. ونعرب عن مشاركتنا وتضامننا مع آلام ومعاناة المعوزين والمهمشين والمستضعفين، وكل العائلات التي يغيب عنها فرح العيد بسبب فقدان أحد أفرادها، ضارعين إلى الله أن يفيض عليهم نعمه وبركاته وتعزياته السماوية”.

وفي كلمته الروحية، تحدث البطريرك يونان عن تجسد الطفل يسوع المسيح، متواضعا في مذود بمغارة في بيت لحم، متوقفا عند استقبال الرعاة لخبر الميلاد السار، ولقاء المجوس بالمسيح الطفل الإلهي المولود، ومتأملا بالعائلة المقدسة (يوسف ومريم والطفل يسوع) التي أدهشت العالم بوداعتها وهي تحتضن الطفل العجيب، كلمة الآب المتأنس من أجل خلاصنا، ومتوجها بالتهنئة إلى المسيحيين والعالم بعيد الميلاد المجيد وبحلول العام الجديد.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *