لقاءٌ مع إنسانيَّتِنا…

Views: 1441

لميا أ. و. الدويهي

تسير الحياة على قدمٍ وساق وتغرقُنا بوتيرتها السريعة، فنغدو كمَن يركضُ ليلحقَ بإيقاعها فلا يفوته من تقلُّباتِها وهيجانها أي شيء… لدرجةٍ بلغَت بنا الأمور إلى أبعادٍ هَيمَنَ فيها علينا منطق الأنا الغافل، كي لا نقول المُتعامي عن الإحساس بالآخر وعن قدرته على التواصل معه، وليس بهدفِ الإساءة وإنَما عن عدمِ وعيٍ وإدراك… فأصبحتِ الأهداف غايةَ الحياة والآخر، وللأسف، من الكماليَّات…

السُرعةُ التي تنطلقُ بها عجلةُ الحياة، جعلتنا نغفلُ عن سماع أنَّات وجع روح الآخرين واحتياجاتهم، فشابهنا المكينات في التصرُّف، وحتَّى بلغنا الأخطر في غفلتِنا عن ذواتِنا…

… في الآونة الأخيرة وفي خضمِّ كلِّ الأحداث التي ألمَّت في البلاد، وجد المواطنون أنفسهم أمامَ تحديَّاتٍ ومواجهات جديدة ومختلفة… لأوَّل مرَّةٍ يُكشَفُ النِّقاب عن آلام وأوجاع النَّاس في مختلفِ المناطق اللبنانيَّة، عن احتياجاتهم، نواقصهم، عن طريقة عيشهم المُذرية والتي تُهينُ كرامة الإنسان وتُذلُّه… لأوَّلِ مرَّةٍ صرخات استغاثةٍ موجعة تخرقُ أعماقنا وتصدمُ وجداننا… لكنَّها أعادت إلينا روحنا المفقودة والضائعة في سباقاتٍ مع الزمن لتحقيق المراكز والتنافس على المراتب… لأوَّل مرّة تستوقفنا إنسانيتنا لننظرَ إلى أخينا الإنسان بعينِ المحبَّة التي توهَّجت رحمةً وتضامنًا وحنانًا، فتدافعتِ المبادرات إن الفرديَّة وإن الجماعيَّة للتَعاون في تخفيفِ نَزِّ أوجاع مُزمنة لطالما تستّرت وراء جدرانِ منازلَ باردة من الألم وربَّما صامدة ومُتماسكة لأنَّها تخشى أن تتساقطَ وتتناثرَ بقاياها إن تشرذمَت… أضاء الإعلام على أشخاصٍ رغبوا بالمساعدة من خلال وضعهم مثلًا لإعلانات في محالهم التِّجاريَّة، وممَّا جاء في بعضِها: «ما معك تدفع المحل عحسابك» الأمر الذي حدا بالمُقتدرين للمُساهمةِ أيضًا في دعمِ هذه العائلات، من خلال التبرُّعِ ببعضٍ من المبالغ الماديَّة، كتعويضٍ لأصحاب المتاجر التي يُساندُ أصحابها إخوة وشركاء لهم في الوطنِ والإنسانيَّة… والهدف منها المحافظة قدر الإمكان، على كرامة الإنسان، فلا تُساهم في تفاقم المذلَّة التي كان يعيشُ فيها حتَّى الآن… فالمُشاركة هي واجبُ المحبَّة اللامحدودة ونعمة نحن إليها مدعوُّون… كلُّنا في يومٍ ما احتجنا أو سنحتاجُ أن نمُدَّ يدنا للمُساعدة بأيِّ موضوعٍ كان، فهذه هي سُنَّةُ الحياة، وليست انتقاصًا لإنسانيَّتِنا، بل مُساهمة في جعلِ الآخر يستثمرُ الخيرَ في إنسانيَّته…

إنَّني اليوم أقلبُ الوجهَ الآخر لعُملةِ هذه الظروفِ الصَّعبة وأرى أنَّ جماليَّتها تكمُن في تهافتِنا لمُساندةِ مواطنين مُشابهينَ لنا في الحقوقِ والواجبات… أعلمُ أنَّهُ من المُعيب أن تكونَ حالتنا في بلدِنا الأمِّ هكذا وأنَّ هذه أدنى الحقوق التي وُجبَ أن تُمنَحَ لنا كمواطنين، إلَّا أنَّني تعوَّدتُ البحث عن النِّعمةِ وفضائِلها في الأمكنةِ الأكثر ظلمةً لأرى مجدًا من السَّماء يتحقَّقُ في قلبِ الإنسان…

(25- 12- 2019)

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *