ليست «لا» مطلقة

Views: 241

خليل الخوري 

المشكلة مع الثورة أن بعض من يحركها لا يريد أن يأخذ بالحقائب التي من أبسطها حتمية إقرار الموازنة العامة… وإلاّ كيف يمكن للبلد أن يتحرّك في أمور البلاد وشؤونها وشجونها كافة.

وليأذن لنا الثوار أن نقول إن بينهم (ونأمل أن يكون البعض القليل) يسعون الى فراغ شامل على المستويات كلها. فهم ضدّ  إقرار الموازنة. ولقد حاولوا، أمس. بالوسائل كافةً، أن يمنعوا إقرارها، فوقفوا ضدّ وصول النواب الى مجلسهم.

إلاّ أن هذه المحاولة فشلت بفضل الدور العقلاني الحاسم الذي أداه الجيش وأيضاً قوى الأمن الداخلي. إذ ربّـما كان في تقدير المنتفضين في الشارع أنهم سيكررون موقفهم  الذي أدى الى منع وصول النواب الى ساحة النجمة لإقرار ما اتخذ في الاجتماع الاقتصادي في قصر بعبدا من مقررات ذات طابع إصلاحي كانت حكومة الرئيس سعد الحريري السابقة قد تبنتها وأعدت مشاريع تنفيذية في شأنها. ولكن الحراك (هكذا كان اسمه يومذاك) أسقط جلسة التشريع.

أمس، لم تنجح المحاولة، وأقرت الموازنة التي رغم ما فيها من بعض الإيجابيات، ليست عند الأماني… ولكن وجود موازنة أفضل بكثير من غيابها.

وقد وعدنا بعض قادة الثورة، أمس، بأنه لن يسمح لجلسة الثقة أن تعقد لاحقاً. قال: هذه المرة لم نتمكن من منع  الجلسة، ولكننا نعد خطة محكمة لجلسة الثقة التي لن نسمح بقيامها ولو «طربقت» الدنيا!

وفي تقديرنا أنَّ مثل هذه المواقف السلبية ليس لها من نتائج سوى العبثية المطبقة. إنها لن توصل سوى الى الفراغ الكبير. فالسلبية لا تبني أوطاناً. هذه حقيقة معروفة على مدى التاريخ والأولى بالثوار أن يعرفوها قبل سواهم.

ومن أسف كبير أن الأصوات العقلانية، المنطقية في الثورة لم تعد مسموعة على الاطلاق. لقد غاب هؤلاء الشابات والشبان الذين كنا نستمع إليهم  بين حين وآخر، والذين كانوا ينظرون الى الحال بواقعية، ويفسحون في المجال أمام الأخذ بالإيجابيات ولفظ السلبيات. ولكن هؤلاء قلّما نسمع صوت أحدهم أو صوت إحداهن.

ولعلّ هذا هو السبب وراء تقلص عدد المعترضين في وسط العاصمة، أمس. صحيح أن التدابير الأمنية ربّـما تكون قد أضعفت همة وعزيمة البعض، إلاّ أنه كان بالإمكان لمن يشاء أن يتوجه الى الوسط ويشارك في إبداء الرأي. ولكن ما شاهدناه كان مجموعات متفرقة كل منها من عشرات الأشخاص! فهل لأنّ الأكثرية الثائرة قد أضحت على نفور من المبالغات والإمعان في التحدي وفي رفع الشعارات السلبية.

إن الثورة ليست «لا» مطلقة. ومن يجهل هذه الحقيقة فليعد قراءة التاريخ.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *