لعنةُ  “ليليث”

Views: 1529

د. نادين طربيه

ظهرَ اسمُ ليليث على رقمٍ طينيّ سومريّ من مدينة أورك يعودُ إلى ألفي سنة قبل الميلاد، تنتمي هذه الأسطورة إلى جذورٍ تاريخيّةٍ قديمةٍ جدًّا وتتّصلُ ببابلَ القديمة حيثُ كان السّاميّون القدماء يتبنّون مجموعة من المعتقدات الخاصّة بأجدادهم السّومريّين. مثّلَتْ ليليث صورة الثعبان أو التّنّين أو القوّة الكونيّة للخلود الأنثويّ وعُبِدتْ تحت اسم عشتار وعشتروت ميليتا إنيني او إينانا…هي البغي المقدّسة لإينانا والإلهة الأمّ الكبرى، هكذا هي في نقوش الآثار البابلية ولإسمها جذر لغويٌّ في الفصيلة السّامية الهندو- أوروبيّة ، وهي شخصيّةٌ معروفة في كتب اليهود “الزوهار”، حيثُ تقول الأسطورة أنّها الزوجة الأولى لآدم قبل حوّاء.

أمّا أشهرُ ما عُرفت به فهو تمرّدها على سيطرة آدم عليها فهربَتْ منه وتزوّجت بالشّيطان… لن أكملَ سرد الأسطورة عن هذه الإلهة المنفيّة من الجنّة لأنّها تمرّدت على بعلها، لأنّ رواية ليليث لم تصل بعد إلى خواتيمها إلى يومنا هذا.

ليليث إمرأة خارقةُ الأنوثة ملعونةٌ من الملائكة  متمرّدة مُغويةٌ فتّانةٌ تصطادُ الرّجال وتدمِّرهم بحيَلها المحنّكة، هل أقول ليليث أم أقول الصّورة النمطيّة لكلّ أنثى أسعفها القدر بالجمال القتّال المتآمر مع الذكاء الحادّ؟

مشكلة ليليث أنّها أعلنت إعتقادها بالتّساوي مع آدم ورفضت الخضوع له فعاقبها الكون بالنّفي إلى أحضان الشيطان، لكنها لم تُدفن مع الآثار البائدة لأن لعنتها لاتزال حتّى يومنا تلاحق النّساء لا ليس كلّ النّساء بل النّساء الجميلات الذكيّات الموهوبات و…. المتمرّدات على الفكر الذّكوري الذي سخّر كلّ طاقاته لتدجين المرأة وتحويلها إلى عاهة خرساء. 

الجميلات يا سادة – حتّى ولو كنَّ مثقّفات – متّهمات بالليليثيّة… محظورات في اللاوعي الثقافي والإجتماعي محكومات بالأطر النّمطيّة المكرّسة . فالجميلات دمًى تُعرضُ في السهرات والصالونات للتباهي بمظهرهنَّ ومعظم الذّكور يفضِّلن أن يخْرسْنَ تحت شعارٍصارخٍ عنوانه: “كوني جميلة واصمتي..”.

أمّا الجميلات المثقّفات فيُفَضَّل ألّا يستعرضْنَ صورهُنَّ مع أيّ نصٍّ لهنّ لأنّ عقدة ليليث ستطفو في العقول ثمّ ستنزل إلى الأحواض وتثمرُ حالةً ليليثيّةً مستعصيةً….نحن المحكومات أبدًا بهذا السّجن المخيف … سجن الأفكار المسبقة سجن الشّرف المهترئ سجن الشّتائم النّابية…سجن المجتمعات الغبيّة…نتمرّد! 

نحن الذين نمثّل جمال الخالق في روعة خلقه عندما تفرّغَ في صنعِه وجبَلَ الذكاء والفنّ والإبداع في حُلّةٍ من بهاء نعترضُ على عقدكم يا سادة…نعترضُ لأنّنا العقل الواعي في تجلّيه الرّاقي….والحلّ واحدٌ أحد طالما أنّكم عاجزون عن عزلنا وإرسالنا إلى كوكبٍ آخر أو إلى جزيرةٍ معزولةٍ فنحن هنا سننجبُ أطفالاً أنقياء ونعلّمهم حبّ الجمال وتقديره واحترام النّساء وعشق الخالق وحماية الكائنات والطبيعة و…التّمرّد! سندرّبُ الأطفال على رؤية جديدة للحياة لا تُشبهُ عقمكم ولا تُشبِه أمراضكم النّفسيّة ولا عفنكم المحنّط…سنحاربُ كالأمازونيات ونقطع الورم الخبيث الذي زرعتموه من أسلافكم…

لا الجمال لايُختصرُ بجمال الروح لأن جمال الروح ينضحُ أيضًا في جمال الخلق…ولن نكونَ منفيّاتٍ ليليثيّاتٍ في مجتمعاتكم المفصومة بل سنكون النموذج الصّارخ للنّجاح والحرّية والخير والحقّ….شاء من شاء ….وأبى من أبى!

 

Comments: 1

Your email address will not be published. Required fields are marked with *

  1. حول مقال الدكتورة نادين طربيه / لعنة ليليث /
    حتى القرن التاسع عشر كان لـ – لوليث – دوي في أوربا اكثر منه في شرقنا العربي .. وقد قرات عنها سابقا من خلال اطلاعي على الأدب الأوربي آنذاك وكانت الصفة التي يتم التركيز عليها هو شيطنتها وجعلها رمزا من رموز الشر . خاصة ان النساء كانت تخوف الاطفال الصغار منها باعتقاد جعلهم يضعون التمائم والتعاويذ اتقاء لشرها ..
    لاشك انها اسطورة روي عنها الكثير و لا اعتقد ان الديانات السماوية اتت على ذكرها صراحة .. رغم تلميحات الديانة اليهودية لها بعض الاحيان .. واعتقد ان الغاية من وراء هذه الاسطورة كان ابعاد الرجل عن دروب الشهوات المحرمة والفتنة القاتلة وربما رأى بعضهم أن الحكمة من وراء الاسطورة هو تحذير النساء من خرق قانون الرجل وإلا كان مصيرهن الخسارة والهجر والتمرد وسلوك طريق الشر ..
    وتركز الكاتبة المبدعة نادين على أمر مهم هو ان الجميلة المثقفة الذكية يحق لها كل شيء و انها تتساوى الرجل بل تفوق عليه احيانا ..
    وربما هذا اصبح منطقيا في عصرنا الحالي باختلاف العصور السابقة .. ومعها كل الحق اذ من الاجحاف وربما الغباء التفريق بين الرجل والمرأة في قضايا مصيرية كثيرة وليس الجمال هو للفتنة فقط بل لأشياء اخرى ايضا اهم بكثير ..
    ويبقى لي رأي اخير هو أنه يجب ان نأخذ بعين الاعتبار الحكمة الأهم من وجود ذكورة وانوثة في كل مخلوقات الكون . ألا وهو التكاثر لتستمر الحياة .. وربما لولا جمال الانثى لتضاءل هذا التكاثر عند الانسان .
    أخيرا اقول باختصار : جميل ان تستفيد نادين من هذه الاسطورة لتسخيرها لفكرتها الرائعة في تحد واضح للرجل مصممة على اعطاء المرأة حقها في صنع الحياة والجمال والسعادة .
    ———–
    المحامي والاديب السوري : ماجد الخطاب